حقيقة يوسف بن أيوب الشهير بالناصر صلاح الدين الأيوبي

في هذه المحاضرة، سوف نكشف جانباً من جوانب أحد أبرز الشخصيّات التاريخية، التي كان لها اثر واضح وبارز في التاريخ الإسلامي.

ألا وهي شخصية: يوسف بن أيوب بن شادي الدويني، الشهير بالناصر صلاح الدين الأيوبي.

وسبب حديثي عن هذا الشخص، هو أني وجدت أهل البدع والزيغ والضلال، يأتون على ملوك وحكّام أهل السنة والجماعة، وأعني بهم السلفية، أو ما يعرفون بالوهابية، فيتعمدون الكذب عليهم والتلبيس والتدليس على الناس في شأنهم بغية تشويه سمعتهم، وقد كنا نسكت عن مخازي ملوكهم وحكامهم لأننا كنا نرى أنهم جهال غُرِّر بهم من قبل كهنة المتكلمين والصوفية، ثم وجدنا أهل البدع والزيغ والضلال، يستخدمون شهرة سلاطينهم للتسويق لمذاهبهم الإلحادية وعقائدهم الوثنية، وهنا توجب علينا من باب النصيحة لله ولرسوله ولعامة المسلمين وخاصتهم، أن نفضح حقيقة كبار المتكلمين والصوفية، ليعرف الناس حقيقتهم، ويجتنبوا طريقتهم، ويعلموا أنهم ما أتيوا إلا من قِبَل التربية الفاشلة دينياً وأخلاقياً. فيعرف الناس الحق ويتبعوه ويعرفوا الباطل ويجتنبوه.

وسوف أقوم بسرد ما وجدته في صفحات التاريخ القديم، الذي سطّر تاريخ هذا الرجل من قلب الأحداث، حيث أن أكثر من سوف أنقل عنهم معاصرون ليوسف بن أيوب.

وحتى لا يأتيني من يقول أين مصادرك؟ فسوف أذكر المصادر في أخر هذه المحاضرة، ليتسنى لمن يريد التثبت والتأكد أن يرجع إليها. 

وهذه المحاضرة ليست بحثاً علميّاً حتى أذكر لك جميع ما ورد في التاريخ بالنص، وإنما هي محاولة لإعطاء المتلقّي فكرة عامة عن شخصيّة هذا الرجل، ولذلك أسرد الأخبار سرداً، وحتى لا يمل المتلقّي، لأن نقل الأخبار بالنصّ سوف يطيل هذه المحاضرة، ويخرج بها عن المقصود.

عندما احتلّ يوسف بن أيّوب بن شادي الشهير بـ الناصر صلاح الدين الأيوبي، مدينة القدس الشريف، طهرها الله من رجس اليهود والمتكلمين والصوفية، كما طهّر بلاد الحرمين من قبل، على أيدي أسود الإسلام، وأنصار الله ورسوله، وأنصار القرآن والسنة، المعروفون بالوهابيّة. فرح الناس، بهذا الإنجاز، الذي رأوه إنجازاً عظيماً، حتى صار هذا الرجل أيقونة، بل بلغ ببعض الجهّال، أنهم صاروا ينشدون الأشعار في الاستغاثة به، ليأتي ويحرّر القدس كما حرّرها أوّل مرّة. بل وأصبح يقدّم على أنه قدوة، يجب على الشباب المسلم الاقتداء به، والاحتذاء به.

فما هي حقيقة هذا الرجل؟ وهل هو فاتحٌ أم محتلّ؟ وهل هو مسلم أساساً حتى يقدم على أنه قدوة للشباب المسلم، أم أنه كمحمد الفاتح الذي غُرِّر الشباب المسلم به؟

عاش يوسف بن أيوب بن شادي في فترة زمنيّة وبيئة، استحكم فيها الجهل وشاع بين أفرادها البدع والضلالات، ووقع كثير منهم في الشرك الأكبر، نسأل الله العافية.

فقد صار حملة الدين والعلماء والمعلّمين والقضاة، أكثرهم من المتكلمين والصوفية، فلا يلقون تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، إلّا مشوباً بفلسفة ملاحدة الإغريق، أو بوثنيّات الوثنيّين، فتجد في المتكلمين من يقر بتوحيد الربوبية والألوهية، إلا أن كثيراً منهم أو لنقل أكثرهم قد تقلدوا توحيد أبي جهل وأبي لهب وأبيّ بن خلف، لا يعرفون توحيداً إلا توحيد المشركين، وهو الإقرار بأن الله هو المتوحِّد بالخلق فقط، أما في ملكه وأمره وتدبيره وألوهيّته، فقد زعموا أن له شركاء في ذلك كلِّه، فأجازوا دعاء غير الله الدعاء الشرعي، وهو أن تدعو الله تعالى في أمر لا يقدر عليه إلا الله عزّ وجلّ.

كما كانت القباب تبنى على القبور، وتُتّخذ مزاراتٍ، وقد تبنى المساجد على القبور، بموافقة من كهنة المتكلمين والصوفية، وعناية من السلاطين، الذين يتّبعون هؤلاء الكهنة.

وأما في الصفات، فكلهم على طريقة فلاسفة الإغريق، ومن سبقهم من اليهود والنصارى لاعتناق هذه المعتقدات السخيفة، والأقوال الساقطة البليدة.

لذلك عندما كنت أقرأ كتاب: هكذا ظهر جيل صلاح الدين، لمؤلفه ماجد بن عرسان الكيلاني، كنت أسخر حقيقة من مضمون الكتاب، وشِدّة جهل وبلادة كاتبه، لأنه أثناء ذكره للمدارس العلميّة التي ظهرت في تلك الحقبة، لم يذكر من بينها مدرسة واحدة سلفيّة سنيّة، بل كلها مدارس كلامية صوفية، تلقن الناس الإلحاد في صفات الله تعالى، ومنها ما يلقن مع ذلك الشرك الأكبر! ولم يذكر من الدعاة المصلحين سوى عبدالقادر الجيلاني، وحتى هذا جعله حسنة من حسنات أبي حامد الغزالي، ذاك الرجل الذي كان أحد معاول هدم العقيدة الإسلامية الصحيحة!

لقد كانت الشريعة في ذلك الوقت تقام في حدود معيّنة، فهي أشبه ما تكون غائبة عن الحياة العامة للمجتمع، فحانات الخمر والحشيش، وأوكار الدعارة، كانت مشرِعَةً أبوابها لمرتاديها، دون نكير، لا من السلطان ولا من العلماء المزعومون. ولا عجب من ذلك، فقد عَرَف التاريخ جيداً، أن علماء المتكلمين والصوفية، ما انتشروا في بلد، إلا وتبعهم الاستهانة بمحرّمات الله تعالى، فينتشر على إثر ذلك الفسق والفجور بجميع أنواعه، فتروج في بيئتهم شرب الخمور والحشيش ومقارفة الزنا بل واللواط أيضاً، وتنفق سوق هذه الأشياء في تلك البيئات، هذا عدا التهاون بالقيام بفرائض الله عز وجل.

وهذا النوع من المشايخ، محبّبون جداً عند كثيرٍ بل أكثر الخلفاء والسلاطين والملوك، ولذلك كان فُسَّاق الخلفاء والسلاطين والملوك، يدنونهم ويقرّبونهم، لأنهم إذا جاءوا بعالم سُني سلفي حقيقي، قال هذا حرام ولا يجوز، وحمله على أن لا يتعاطاه أو يتساهل مع الناس في تعاطيه، مما يدفعه إلى الحرج، لذلك يجد في المتكلمين والصوفية بغيته في تحليل ما حرّم الله، أو على الأقل يسكت عنه، ولا يضطرُّه إلى ترك ما تشتهيه نفسه من المحرمات، أو حمله على منع الناس عن ذلك!

فهذه هي الحالة الاجتماعية في تلك الحقبة الزمنية.

أما أسرته، فأصلهم من بلدة دوين، وهي بلدة من بلاد الأكراد، ولذلك قيل عن آل شادي، وهي أسرة يوسف بن أيوب، بأنهم أكراد. فيقال في نسبه: الدويني، نسبة إلى بلدة دوين. وأما آل شادي، فهم يدّعون أنهم من العرب، ولكن اختلفوا من أيّ العرب هم، فبعضهم قال: بأنهم أمويّون، من ولد عبدالرحمن الداخل إلى الأندلس، وأنه لما سقطت دولتهم بالأندلس، انتقل رجل من ولده إلى دوين، واستقر بها، فكان آل شادي هؤلاء من عقبه. وقيل: أنهم من بني مُرَّة بن عوف، وهي بطن من قبيلة غطفان، ويزعم النسّابة، أن بني مرة بن عوف هؤلاء من قريش نسباً، وأنهم انتقلوا وحالفوا غطفان، وانتسبوا إليهم.

مع أنه لا يوجد أي دليل يثبت أحد هذه الأقوال، إنما هي ادعاءات وتمنّيَات.

وهناك من يُشكِّك في صلة آل شادي بالعرب، وأنهم ما ادعوا ذلك، إلّا للتقرب والتزلّف للعرب، الذين كانوا أكثر أهل الشام ومصر.

وأول حدث روي عنهم، أنهم قدموا إلى بغداد من بلدة دوين، وخدموا بهروز شِحنة بغداد، فقام بهروز بتعيين أيوب مستحفظاً لقلعة تكريت، وأنزلهم فيها، ومعه أخوه شيركوه، فنشب خلاف بين شيركوه وبين رجلٍ من رجالات البلدة، فقتله شيركوه، مما أحفظ بهروز على شيركوه، فطرده وأخوه أيّوب منها، وهذا يدل على استهتار شيركوه بالدماء، ويدل على ضياع الشريعة الإسلامية وعدم القدرة على تطبيقها في تلك البلاد وتلك الأزمان، لأنه كان من الواجب، أن يقدم شيركوه إلى المحاكمة، فإما أن يقتل قصاصاً، أو يتصالح مع أهل القتيل على دية يدفعها لهم، ولكن لا شيء من ذلك يذكر!

لما انتقل شيركوه وأخوه أيوب عن تكريت، لجؤوا إلى زنكي، وصاروا خداماً له، فعيّن زنكي ايّوب مستحفظاً على قلعة بعلبك، فكان بها حتى وفاة زنكي، وحاصر أمير دمشق بعلبك ليضمها إلى مملكته، إذ أن الأمراء في تلك الأزمان كانوا يتقاتلون على الملك، كل واحد منهم يريد الملك لنفسه، فلما ضاق الحصار بأيّوب، قام بتسليم القلعة على رشوة قبضها من أمير دمشق، فخرج منها ونزل في بلدة دمشق، فاستقبله أهلها ورحبّوا به، بينما نزل شيركوه حلب، وانظمّ إلى رجالات نور الدين بن زنكي وخدّامه، وكان نور الدين يسعى لاحتلال دمشق وضمها إلى ممتلكاته، ولكنه كان يعجز عن ذلك، فاستغل وجود أيوب في دمشق وخدمة أخيه شركوه له، فطلب من شيركوه أن يراسل أخاه أيوب في أن يغدر بأهل دمشق، وأن يفتح لنور الدين باب البلدة سِرّاً إذا جاء ليحتلها، ودفع نور الدين زنكي مقابل ذلك، رِشوة كبيرة، وهي عبارة عن إقطاعات يقطعهم إيّاها، فوافق شيركوه وأخوه أيّوب على أخذ الرِشوة والغدر بأهل البلد الذين استقبلوا أيوب وأكرموه وآووه وأتمنوه!

وبصريح العبارة، يعتبر أيوب وأخوه مرتشين، ويعتبر أيّوب والد يوسف خائن، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معاني! وسوف يأتي معنا ما يدل على فساد أيوب والد يوسف في طيّات هذا الحديث، بإذن الله تعالى.

فهذه هي البيئة التي نشأ فيه يوسف بن أيوب بن شادي، ولذلك لا نستغرب عندما قال المؤرخون، أن يوسف بن أيوب نفسه، لم يدع شرب الخمر، إلا بعد أن صار وزيراً لأخر خلفاء الدولة الفاطمية، وقبل أن يأمره نور الدين بخلعه والدعاء للخليفة العباسي.

ودائماً وابداً أوّل خطوة نتخذها في معرفة صلاح الرجل من فساده، هو معرفة حاله مع توحيد الله تعالى، التوحيد الذي هو أصل الدين، وهو الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، وهو المميز بين أهل الجنّة وأهل النار.

وللتنبيه: أيّ شخصٍ يتهكّم على هذه القاعدة العظيمة، وهو أن التوحيد، هو المعيار الرئيسي في الحكم على الأفراد والجماعات، فاعلموا أنه زنديق خارج من دائرة الإسلام، كائناً من كان.

فما هي عقيدة يوسف بن أيوب وأهل بيته.

ينصّ المؤرخون على أن يوسف بن أيّوب كان أشعرياً صوفيا قبورياً خرافيّاً. تلقى العقيدة الاشعرية منذ نعومة أظفاره.

وقد بلغ به الأمر أنه كان يكفّر من خالف العقيدة الأشعرية، وكان يأمر المؤذنين بقراءتها كل ليلة.

بل إنه كان يمنع الوظائف عمن لا يعتقد معتقد الأشعري! ويجعلها حكراً على الأشعرية، وكان يدني الأشعرية، ويقصي أهل السنة الذي هم السلفية!

وكان له شيخٌ يدعى الخبوشاني، يقول المؤرخون: كان يوسف يعتقد فيه. وهذه العبارة لها مدلول خطير عند الصوفية، لأن معناها عندهم، أي: أنه يعتقد فيه الولاية، وان له عند الله تعالى جاهٌ عظيم، ومنزلة رفيعة، وأنه بذلك قد ينفع ويضرّ! حتى أنه لما أمره ببناء الضريح على قبر الشافعي، خسر في ذلك أموالاً طائلة، وكانت هذه الأموال، من الضرائب التي كان يفرضها على الناس، يعني حرام في حرام.

وكان يوسف بن أيّوب، يقيم حفلات المولد النبوي –زعموا- وعندما يقوم الدرويش الصوفي الذي يسمونه: الفقير. ليهزّ مؤخرته في المسجد، يرقص ويتمايل على أنغام الطبول والمزامير، كان يوسف بن أيّوب يقوم واقفاً إجلالاً لهذا الفقير، ولا يقعد حتى يقعد الفقير!

إنه يشبه إلى درجة كبيرة، ما نراه اليوم من المُريدين الصوفية، وما يظهرونه من حماقات عند مشايخ الطرق الصوفية.

هذا هو صلاح الدين!!

وهذا هو الدين الذي سعى يوسف بن أيوب إلى إصلاحه!

لذلك الذي سمّاه صلاح الدين، هم المتكلمون والصوفية، لأنه أصلح لهم دينهم، بإقامته لهم، وجبر الناس عليه!

ولكن ليت شعري، لماذا يصف المنتسبون إلى السلفية يوسف بن أيوب بصلاح الدين!! وهو الذي عمل جاهداً على محو مذهبهم، وإقصاء عقيدتهم!!

لكن حياة هذا الرجل فيها الكثير من النواحي التي تكشف لنا حقيقة شخصيّته، ومدى مصداقية من يثنون عليه، ويحيطونه بهالة من التقديس.

كلنا نعلم أن آل شادي كانوا صنائع نور الدين، ووالده زنكي، ولما أخرجهم إلى مصر، لنصرة الخليفة الفاطمي ضد الصليبيين، كان قد أمدهم برجاله وماله وعدّته وعتاده، 

فلما توفي شيركوه وتولّى يوسف الوزارة، طلب يوسف بن أيوب من نور الدين أن يرسل إليه جميع أهله، من آل شادي، فجهّزهم له، وأخذ عليهم العهود والمواثيق على طاعته والإخلاص له، وكلّهم أقسم على ذلك، 

ولمّا تبيّن ضعف الخليفة الفاطمي عن القيام بسياسة الملك، وعجزه عن السيطرة على مقاليد الأمور، بعث نور الدين إلى يوسف يحثّه على خلع الخليفة الفاطمي، والدعوة إلى الخليفة العباسي، ففعل ذلك بعد تمنّع وخوف من ثورة المصريّين عليه، 

وكان للفاطميين، جيش من الرجال السود، وكانوا يقيمون بأهليهم في ناحية من مصر، فلما خلع يوسف الخليفة الفاطمي، غضب هؤلاء السود لأسيادهم، واجتمعوا وخرجوا ثائرين على يوسف، فبعث لهم جيشاً، فاستطاعوا دحره، فما كان منه إلا أن بعث أخاه إلى قريتهم وفيها نسائهم وأولادهم فأضرم النيران فيها! فلما علم السود بما جرى بأهليهم، انخلعت قلوبهم، وهربوا في كل وجه، فلحق بهم الجيش الأيوبي يقتلون ويأسرون، 

فهل بالله عليكم، يقوم بمثل هذا الفعل الشنيع، من تحريق النساء والصبيان، رجل عنده مروءة، فضلاً عن أن يكون له دين؟! وهل هذه هي وصاية النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء والصبيان والشيوخ؟! حاشا وكلّا، لا يقوم بذلك إلا نمرودي الطبيعة، فرعوني النزعة.

فلما استتب ليوسف الأمر، بهذه الطريقة الشنيعة، ونظر عظمة الديار المصريّة وكثرة خيراتها، طمع في الملك، وأراد الاستئثار بها دون نور الدين، 

ومع كون يوسف وأهل بيته اقسموا لنور الدين على طاعته والإخلاص له وعدم الخروج عليه وأعطوه مواثيقهم وعهودهم على ذلك، إلا أنهم جميعاً لم يفوا بما اقسموا عليه، وهذا يدل على استهتارهم بالأيمان والمواثيق والعهود، 

ولذلك خان يوسف بن ايوب سيّده نورد الدين محمود ثلاث مرات في حروب نور الدين  مع النصارى، ففي كل مرة يدعوه نور الدين أن يجهز جيشاً من مصر ويسير به إلى فلسطين، حيث يجتمع بهم نور الدين ويغزو بهم النصارى لإخراجهم من فلسطين، كان في كل مرة يجهز الجيش، حتى إذا كاد أن يلتقي به، عاد إلى مصر وتعلّل ببعض العِلل.

ومن الذي يحضه على الرجوع، هم اقاربه وكبار رجال الجيش الذين معه، حيث يخوفونه من أن نور الدين، قد يقبض عليه ويخلعه من ولاية مصر لو اجتمع به، وهم لا يريدون أن يقوم نور الدين بخلع يوسف بن ايوب، ليس حباً في يوسف بن أيّوب، بل لأنهم هم أنفسهم، كانوا منتفعين من بقاء يوسف بن ايوب في ولاية مصر مادّيَّاً.

بل كان يوسف بن أيوب يريد بقاء النصارى في فلسطين، ليكونوا حائلاً بينه وبين نور الدين.

بل إنه غزى بلاد النوبة وقام باحتلالها، حتى إذا ما غزاه نور الدين وهزمه وأخرجه من مصر، يخرج هو إلى ملكه ببلاد النوبة.

وقد كان نور الدين قد أزمع حقاً إلى المسير إلى مصر وإخراج آل شادي منها قسراً، لما تأكّد لديه خيانة آل شادي له، ولكن منيّته حالت دون إتمام الأمر، ولم يخلف نور الدين إلا صبيّاً صغيراً عمره إحدى عشرة سنة، اسمه: الصالح إسماعيل، فعندئذ استفرد يوسف بملك مصر، بل وطمع في ضم ممالك الصالح إسماعيل إليه، فخرج من مصر في جيش كبير، واقتحم الشام، ولا زال يستولي على بلاد الصالح إسماعيل حتى حاصره في عاصمته حلب، ولم يفك الحصار حتى تم تسليم المدينة. في حروب استمرت سنوات عديدة، والنصارى في فلسطين لا يروّع لهم سِرْب ولا يُكدّر لهم شِرب. 

وبسبب هذه الخيانات تأخر فتح القدس الذي كان يطمع فيه نور الدين عشرين سنة!

بل يقول المؤرخون: أن الناس كانوا يلعنون صلاح الدين وامراء الشام، لأنهم كانوا يقتتلون على الملك والسلطان والنصارى بفلسطين آمنون!

وكان أيوب والد يوسف أحد المحرّضين ليوسف على خيانة نور الدين، والخروج عليه.

ولما استقام الأمر ليوسف بن أيّوب بالشام، أراد بزعمه أن يشكر الله تعالى على أن ملّكه البلاد، فأصدر أوامر بإغلاق حانات الخمر والحشيش، ولكن والده أيّوب أعاد فتحها بدعوى أنها تدر الكثير من المال لخزينة الدولة عن طريق الضرائب التي كانت تفرض عليها!! يريد أن يملئ خزينة دولة ابنه بالمال الحرام! وليأكل منها هو! 

وهذه إحدى الدلائل على فساد أيّوب والد يوسف، وإحدى الدلائل على فساد البيئة التي نشأ فيها يوسف.

ولما استحكم الأمر ليوسف بن أيّوب، أخذ الناس يحثونه على غزو النصارى واسترداد القدس، فبدأ في حرب النصارى، ولكن بفتور شديد، ولم يجرؤ على قتال النصارى وانتزاع القدس منه، حتى علم بضعف الجيش النصراني، وتفشي الأوبئة فيه!

عندئذ تقابل معهم في معركة حطين، وهزمهم ودخل القدس.

ولم تكن معركة حطِّين بتلك المعركة الكبيرة بحسب الصدى الذي أحدثته، فالجيش النصراني كان متهالكاً أساساً، وكان مستعدا للهزيمة من قبل أن تبدأ المعركة، مع قلة عدد وعدّة، وضعف في البُنيَّة.

ولذلك حشر هذه المعركة مع المعارك العِظام التي أوقعها أهل الإسلام، يعتبر إهانة للوقائع العِظام التي أوقعها أهل الإسلام بالكفر.

ولم يستطع يوسف إخراج النصارى من كامل الساحل الشامي، بل بقيت في أيديهم المدن الشمالية منه، ولما جاءت الأمداد إلى النصارى بفلسطين، كان يظهر أنواعا من الجُبن والخور في حربه لهم، عكس ما كان يظهر منه أيام حروبه مع الصالح إسماعيل وامراء الشام! حتى أن النصارى سَبَو أهالي مدينة عسقلان، واخرجوهم وهو واقف بجيشه ينظر إليهم، فقتلوهم عن أخرهم، ولم يتجاسر أن يتقدم خطوة واحدة لمساعدتهم.

وهكذا استمر الحال إلى أن هلك يوسف بن ايّوب، حيث لا يزال النصارى يحتلون الكثير من المدن الساحلية.

بل كان ولاة يوسف بن أيوب على المدن والقرى، يتاجرون مع النصارى المحتلِّين، ويبادلونهم البيع والشِراء، وكأنهم جيران وأحباب، وليسوا متحاربين وأعداء، حتى قال المؤرخون: لو لم يفعل ولاة يوسف بن أيوب ذلك، وقاطعوا النصارى تجارياً، لاضطروا النصارى للخروج من الساحل الشامي، وهذا مثال أخر على فساد ولاة يوسف بن أيوب، وفساد المجتمع في ذلك الزمان دينياً وأخلاقياً.

وكانت حانات الخمر والحشيش في عصر يوسف بن أيوب تعمل بكامل طاقتها الاستيعابيه، ويفرض عليها الضرائب التي يعود ريعها إلى خزينة الدولة، وإلى جيوب آل شادي.

وأما سوق الدعارة، فكان في زمانه قائماً، وكنّ العواهر يطفن البلاد عرضاً وطولاً بلا نكير ولا حساب ولا عقاب! وإن لم يُذكر أنه كان في زمانه أوكار معدّة لمقارفة الزنا، ولكن وجود ما يسمونه: القحاب، كان أمراً شائعاً في ذلك الوقت، وعلى أعلى المستويات، أي: على مستوى القواد والأمراء.

وفي النصوص التاريخية للمؤرخين الذين دونوا تاريخ تلك الحقبة وبعضهم عاصرها، ما يثبت ذلك.

وأما الشريعة، فكما يظهر أنها لا تطبق إلا على ما يقع بين العامة من خصومة فقط!

وأما عن الظلم والجور، فقد اشتهر زمن يوسف بن أيوب بصنوف من الظلم والجور عجيبة، بعضها يدل على تلاعب الرجل بالشريعة، واستخدامها لسرقة أموال الناس.

فلما أمكنه الله من ملك مصر، بموت نور الدين محمود، أعلن إسقاط المكوس، التي كان يأخذها من التجار ومن الحُجّاج، كما أعلن إغلاق حانات الخمر والحشيش، 

فأما حانات الخمر والحشيش فقد أعاد فتحها والده أيّوب، 

وأما المكوس فقد أعادها ولكن بمسمى أخر، وبعذر عجيب، فقد أعادها على أنها زكاة، وأنه يجب على من يمرّ ببلاده من التجّار والحجّاج، أن يدفع زكاة أمواله، وعند النظر والتدقيق تجدها هي المكوس التي أعلن سابقاً إسقاطها! ثم هو يأخذها دون أن يتقيّد بأي ضابط أو شرط. فالزكاة إنما يأخذها السلطان على من كان تحت حكمه، وفي أشياء مخصوصة، وبعد أن تبلغ النصاب، وبعد أن يحول عليها الحول، وكل هذا لم يكن يُعتَدّ به في أخذهم للزكاة المزعومة من التجار والحجّاج، فكل شيء يتم تقديره ثم يُعشّر. 

والأعجب من ذلك، أنهم كانوا يعشّرون الحجيج مرتين، ففي مصر يتم تعشير الحجاج المغاربة في ميناء الإسكندرية، ثم يعشرونهم مرة أخرى عند مرورهم بالصعيد، وهناك تعشير ثالث يقوم به والي مكة، عند دخولهم إلى ميناء جدة!!

وكان عُمّال يوسف بن أيوب يسيؤون معاملة الناس، ويهينونهم، ويحتقرونهم، ويستخدمون المناخس لتفتيش الحقائب والبضائع، خشيت ان يقوم التجار أو الحجيج بإخفاء شيء عنهم، فكل شيء يجب أن يُعشَّر!

بل إن من المفارقات العجيبة، أن ولاة النصارى في الساحل الشامي، كانوا يأمرون عمّالهم بإحسان معاملة التجّار والحجيج الذين يمرّون ببلادهم، وأن يكرموهم، ويحسنون وِفادتهم وضيافتهم، في حين يتم العكس تماماً في دولة يوسف بن أيوب بن شادي الدويني! 

كما ذكر المؤرخون، أن المسلمين تحت حكم النصارى في الساحل الشامي، كانوا منعّمين، وكان التجار والمزارعون والصنّاع والصيادين، لا يؤخذ منهم إلا ضرائب يسيرة لا تُثقِل كواهلهم، بخلاف الوضع البائس الذي كان يعيشه إخوانهم تحت حكم يوسف بن أيوب، لشدة وطأت رجال يوسف بن أيوب، والضرائب الباهظة التي كانت تفرض عليهم. حتى قال المؤرخون: أن المسلمين تحت ولاية النصارى كانوا يأسفون لحال المسلمين الذين تحت ولاية يوسف بن أيّوب!

وهذا يدل على فساد تربية هذه العائلة دينياً وأخلاقياً، وفساد المجتمع بأسره دينياً وأخلاقيّاً، وكيف لا يكون هذا هو حال الأفراد والمجتمعات، ومن قام بتربيتهم وتنشئتهم هم ملاحدة الأشاعرة والماتريدية والوجوديّة، وخرافيوا الصوفية!

لما استحوذ يوسف بن أيوب على ملك مصر، انتزع الجامع الأزهر من أيدي الرافضة وسلّمه إلى ملاحدة الاشاعرة ووثنيو الصوفية، فكان ولا يزال مسجد ضرار.

واتخذ يوسف طبيباً يهودياً، يعني دولة يوسف بن أيوب على عرضها وطولها، لا يوجد فيها طبيب مسلم، حتى يضطر لتعيين طبيب يهودي!!

وكأن يوسف بن ايوب، يخشى إن وضع طبيباً مسلماً، أن تأخذه الحميّة مما يفعله يوسف بن ايوب، فيدس له في دوائه سمّاً يقضي عليه، وهذا يعبر عن مدى شكّ يوسف بن ايوب في ولاء مواطنيه المسلمين، ولولا أنه يسيء معاملتهم، لما شكّ في ذلك.

واسم هذا الطبيب اليهودي: موسى بن ميمون، ولا ننسى أن موسى بن ميمون هذا كان إلى جانب معرفته بالطب، فيلسوفا يهودياً، وقد ألف كتابا بعنوان: دلائل الحائرين، عطّل فيها صفات الرب عز وجل، على طريقة الاشاعرة والماتريدية والمعتزلة، وقد عني الأشاعرة بهذا الكتاب عناية عظيمة، وفرحوا به، حتى أن أحدهم قام بتحقيقة في العصور المتأخرة، مما يدلّ على الأصول اليهودية لهذه الطائفة المنتسبة إلى الإسلام!

فكما نعلم أن عقيدة التعطيل أخذها الاشاعرة والماتريدية والمعتزلة عن ملاحدة الإغريق، بواسطة اليهود والنصارى، بل إن التاريخ يخبرنا بأن التعطيل أساساً أُخِذ من فلاسفة النصارى، وأن أول من قال بالكلام النفسي هو يوحنا الدمشقي من كبار النصارى عاش في أواخر القرن الأول وبداية القرن الثاني الهجري. ثم بعد ذلك صار المتكلمون المنتسبون إلى الإسلام، يأخذون عقيدتهم في تعطيل صفات الباري سبحانه من كتب فلاسفة الإغريق مباشرةً.

وعندما شعر يوسف بن ايّوب بدنو أجله، قام بتقسيم البلاد بين أبناءه، لأنه كان يعدها ملكاً خاصاً، وهذا يرد على من يدّعي أن يوسف بن أيوب كان يقاتل جهاداً في سبيل الله، فكل ما سطره التاريخ عنه، يثبت وبجلاء أنه ما قاتل إلّا لأجل الدنيا، وحيازة الأموال.

بعد هذا كلّه، يأتي من يثني على هذا الشخص، ويمجده، ويريد أن يجعل منه ايقونة، وقدوة يقتدي بها شباب المسلمين!

وأكثر من كذب على الناس بشأن هذا الرجل، هم مؤرخوا الإخوان المفسدين، وأذنابهم السرورية، أو ما يدعى بالجناح السلفي لجماعة الإخوان المفسدين، الذين لمعوا هذه الشخصية، حتى غدا الناس يعتقدون أنه مثل ابي بكر أو عمر أو عثمان أو علي.

ولا أعلم ما هدفهم من ذلك؟ إن كانوا يريدون ان يصنعوا قدوات للشعوب الإسلامية، فقد كان لهم في النبي والصحابة ما يغنيهم، وكذلك ملوك بني أميّة وصدر الخلافة العباسية بل والدولة السعودية والدعوة الوهابية ما يغنيهم ويكفيهم.

لأن الدولة السعودية والدعوة الوهابية، هي الدعوة التي قامت على الكتاب والسنة، وقامت لأجل هدف واحد لا ثاني له، وهو الجهاد في سبيل الله، حقيقة لا ادعاءً وكذباً وتزييفاً، وتنقية الدين من الشوائب التي ألصقها به زنادقة المتكلمين والصوفية والرافضة، وإقامة السنّة ودحر البدعة، والتاريخ خير شاهد على ما أقول.

وفي علماء السنة علماء السلف من الرعيل الأول، وفي علماء الدعوة الوهابية وجهادهم في تعليم الدين الإسلامي الحنيف، كما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، ما يغني في تقديم قدوات حقيقية يجب على الناس اتباعها والاقتداء بها.

ولكن أكثر الناس لا يعقلون!

ولكن الحقيقة أن الإخوان المفسدين، لم يقدموا هذه الشخصية ولا غيرها من الشخصيات التافهة مثل محمد الفاتح أو غيره، إلا لأجل كسب مصالح مذهبية وسياسية واقتصادية. هذه هي الحقيقة.

ونأتي الآن إلى ذكر المراجع وهي:

تاريخ الكامل لابن الأثير، ورحلة ابن جبير، والنوادر السلطانية لابن شداد وهو أحد قضاة الأيوبيين، والروضتين في أخبار الدولتين لأبي شامة، ووفيات الأعيان لابن خلكان، ومفرِّج الكروب لابن واصف، وبغيت الطلب في تاريخ حلب لابن العديم، والفوائد الجلية لحسن الأيوبي، وخطط المقريزي، واتعاظ الحنفاء للمقريزي أيضاً.

وكل هؤلاء اشاعرة صوفية، ليس بينهم سلفي وهابي البتّة، وما ينقلونه من مخازي هذا الرجل يأتي على ضربين:

ضرب: لا يعتبرونه هؤلاء المؤرخون عيباً أو أداة في الطعن، بل يعتبرون وقوعه أمراً عادياً، وكيف يظنون غير ذلك وهم اشاعرة صوفية، فهم يروونه بسلامة خاطر، وظناً أنه لن يأتي أحد في المستقبل ليكتشف حقيقة هذا الرجل من خلال هذه الأخبار التي أوردوها.

وضربٌ: علموا فساده وقبحه، وشناعة وقوعه من أي شخص، ولكنهم يجتهدون في الدفاع عن يوسف بن أيوب ويقتبسون له الأعذار الواهية التي لا قيمة لها.

مثلا ابن جبير الاشعري الصوفي القبوري الخرافي، كان معجباً بيوسف بن أيوب، ولكنه عندما يذكر ما يقع في بلاده من الظلم والجور، يقول: لم يكن للسطان علم بذلك كله! وهذا كذب، لأن العمّال لا يمكن أن يقوموا بأي عمل إلا وفق الأوامر التي تصدر إليهم من يوسف بن أيوب نفسه، بل إن ابن جبير نفسه، اعترف أن بعض ما يقع من جور يأتي بأمر من السلطان أي: يوسف بن أيوب. ولكنه مع ذلك كان معجباً به لانه اشعري ولأنه قوبري خرافي مثله، حيث كان معجباً غاية العجب بالقبّة التي بناها يوسف على قبر الشافعي، وكان يقول: سبحان من جعله صلاحاً لدينه كأسمه! 

وأما ابن الأثير فكان شخصاً اشبه بالمحايد، فمع كونه أشعري صوفي، إلا أنه كان ينقل الأحداث التي وقعت في زمانه كما بلغته، ولكن لأنه كان يكشف حقيقة يوسف ومآربه وأطماعه في الملك، مع أنه لم يكن يسوقها للطعن فيه أو انتقاصه، فقد أدعى مؤرخو الإخوان المفسدين أنه كان مواليا لآل زنكي، وكان يتحامل على يوسف بن أيوب لأجل ذلك. وهذا هراء، لأن جميع ما ذكره ابن الأثير عن مآرب يوسف وأطماعه السياسية أثبتها التاريخ فيما بعد. 

مثال ذلك: عندما مات نور الدين، والتفّ كبار قواده على ابن الصالح إسماعيل، كتب يوسف بن أيوب رسالة إليهم وقال: لقد استأثرتم بابن سيدي نور الدين، وهانا قادم لأخلصه منكم، وأقوم برعاية سيدي، وأرد له جميل والده عليّ. فقال ابن الأثير معلقاُ: إنما قال ذلك ليجد عذراً للقدوم إلى الشام، وانتزاع بلاد الصالح منه، وهذا ما وقع بالفعل، حيث قدم إلى الشام فلم يزل يستولي على أملاك الصالح إسماعيل حتى سلّم إليه مدينة حلب.

وأما ابن شداد فبحكم أنه قاضي يوسف فكان يكيل إليه المدائح، ولكنه كان يروي مخازيهم عن سلامة خاطر، وظناً منه أنها لا تقدح في دينهم وأخلاقهم.

لذلك الذي يريد أن يستخلص الحقائق التاريخية سوف يعرض هذه الأخبار على الدين والأخلاق، ليكتشف هذه الحقائق.

انتهى