هذه هي حقيقة الدولة العثمانية

 في هذه المحاضرة بإذن الله تبارك وتعالى، سوف نتحدث عن حقيقة الدولة العثمانية البائدة، وجرائمها التي ارتكبتها في العالمين العربي والإسلامي، لنعرف هل كانت الدولة العثمانية دولة فتح أم دولة استعمار، كغيرها من الدول الاستعمارية.

في هذه المحاضرة، نكشف السِتار عن كثير من الحقائق، التي اجتهد أهل الأهواء والبدع، في اخفائها، ومحاولة تلميع الدولة العثمانية، وإبرازها على أنها كانت دولة إسلامية عظيمة، أقامت الشريعة، ونصرة الدين، وحمة حماه، وذادت عن حياضه، وأنها كانت – كما يزعمون – دولة فتح أعزّ الله بها الإسلام والمسلمين، لغرض التسويق لبعض المذاهب الزائغة والفرق الضالة، ولغرض التسويق للدولة العثمانية والقوميّة التركيّة.

وسوف اقوم بذكر المصادر في أخر هذه المحاضرة بإذن الله تعالى.

فأقول مستعيناً بالله تعالى في كشف حقيقة هذه الدولة.

أن من أسسها هو أرطغرل، ولا يعرف اسم أبيه على وجه الحقيقة، فيقال أن اسم أبيه: سليمان القابوي، ويقال أسمه: كُندُز آلب.

والصحيح أن والده أسمه: كُندُز آلب، والدليل على ذلك، أنه عُثِر على عملة معدنية سُكَّت في زمن السلطان عثمان بن أرطغرل، كتب على وجه العملة «ضرب - عثمان بن - ارطغرل - أيده الله» وعلى ظهرها مكتوب «ضرب - عثمان بن - ارطغرل بن - كـ..دز الپ».

ينتسب ارطغرل إلى قبيلة قابي، إحدى قبائل غون خان، والتي بدورها تعتبر فرعاً من قبيلة الغًزّ الكبيرة. والتي بدورها تعتبر قبيلة من قبائل الترك.

والذي يظهر لي من سياق التاريخ، أن الغالب على الشعوب التركية الداخلة في الإسلام، في وقت مبكِّر، هو المذهب الحنفي في الفروع، وأما في الأصول، فكان بعضهم يعتنق المذهب الماتريدي القائل بنفي وجود الرب عز وجل خارج الأذهان، وبعضهم يعتنق المذهب الوجودي، القائل بوحدة الوجود، وكلا المذهبين، من أضلّ المذاهب، وأبعدها عن الحق، وعن تعاليم الإسلام الأصيلة.

ويصعب تحديد ما هو دين ومذهب أرطغرل، ولكن من المؤكّد أن أرطغرل كان مسلماً، وحاول التثقُّف بالثقافة العربيّة، وهذا واضح من خلال تسميته لابنه بعثمان. ولكن هل ولد ارطغرل مسلماً، أم أسلم في فترة من حياته؟ هذا السؤال لا جواب له.

وأما عن ماهيّة الإسلام الذي اعتنقه، وهل هو الإسلام المحمدي الصحيح، أم إسلام أهل البدع والزيغ والضلال، من المتكلمين والفلاسفة والوثنيين، فيظهر من خلال المعطيات التاريخية، تأثُّر آل ارطغرل بمذهب ابن عربي وابن سبعين وابن الفارض، وهؤلاء على مذهب وحدة الوجود، مع أن هؤلاء جميعاً من معاصريه، إلا أن هؤلاء ليسوا سوى تلاميذ لمدرسة قديمة تدعى الحلاجية، تبنّت مذهب وحدة الوجود قديماً في الإسلام.

ولكن هذه العقيدة لا يؤمن بها إلا الخاصة من المتصوِّفة، أعني بذلك مشايخهم، أما عند عامتهم، فيظهر لي أن معتقدهم هو أن الله تعالى في كل مكان، دون اتحاد الخالق مع المخلوق، تعالى ربنا وتقدس، ولكنهم مع ذلك، يُلقّنون العبودية الشرعيّة لمشايخهم الصوفيّة، بحيث يجعلونهم يعتقدون الألوهية في مشايخهم، وفي سائر معظّميهم، فيصرفون لهم العبادة الشرعيّة من الدعاء وما يلحق به من الاستغاثة والاستعانة والاستعاذة، من دون الله تعالى، فيما لا يقدر عليه إلّا الله عز وجل.

وكمثال على وقوع العثمانيين في الشرك الأكبر، أنقل هنا عبارة للسلطان سليمان القانوني، كتبها في صلح عقده مع ملك فرنسا، يقول فيها ما نصّه:

"بعناية حَضْرَة عزة الله جلت قدرته وعلت كَلمته وبمعجزات سيد زمرة الأنبياء وقدوة فرقة الأصفياء مُحَمَّد الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكَثِيرَة البركات وبمؤازرة قدس أرواح حماية الأربعة أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أجمعين وَجَمِيع أولياء الله .. " إلى أخر ما هذى وغثا.

فهنا نجد سليمان القانوني، يظهر الشرك الأكبر بلا محاباة، فهو لم تكفه عناية الله تعالى، حتى ضمّ إليها عناية النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين الأربعة بل وجميع من اسماهم أولياء الله! 

في حين أن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن دونه لا يملكون له نفعاً ولا ضراً، بل لا يملكونه لأنفسهم، فكيف يملكونها له، وفي هذا الموطن لن تحفظه إلا عناية الله وحده.

وإذا عرفنا أن هذا دين الحلّاجية منذ كانوا، دلّنا هذا على أن هذه العقيدة ليست عقيدة سليمان القانوني وحده، بل هي عقيدة أسلافه، منذ زمن أرطغرل نفسه.

وبالتالي نعلم أن الدولة العثمانية، في الحقيقة لم تكن دولة إسلامية، ولا تمّت للإسلام إلا بالادعاء فقط. وأنها دولة وثنيّة بوشاح إسلامي لا أكثر، فكيف تكون دولة هذا حالها دولة إسلامية، أقامت الشريعة، ونصرة الدين، وحمة حماه، وذادت عن حياضه، وأنها كانت – كما يزعمون – دولة فتح أعزّ الله بها الإسلام والمسلمين؟ فقد قيل في الأمثال: فاقد الشيء لا يعطيه.

وقد جمعت الدكتورة حنان بنت عطية الله المَعْبَدي، في دراستها عن التصوف وآثاره في تركيا إبان العصر العثماني، عقائد سلاطين العثمانيين، فذكرت أن جميع سلاطين بني عثمان كانوا ينتمون إلى طرق صوفية وثنية إلحادية، تؤمن بوحدة الوجود.

ولكن لأن الدكتورة حنان تربت في حواضن الإرجاء، فقد كانت مع علمها بعقائد القوم الوثنيّة، تترحّم على فطائسهم، معتبرة إيّاهم مسلمين، ينبغي الترحم عليهم!

وهذا يدلّ على عدم وجود صِلَة بين الإسلام وبين جميع سلاطين بني عثمان، إلا بالادعاءات الفارغة، والأماني الكاذبة.

ويظهر أن ارطغرل هذا كان على علاقة وطيدة مع السلاجقة، ويظهر أنه كان أحد قوّادهم، ولكن بحكم أن أرطغرل تركي الأصل، ومنطقة الأناضول كان أرضاً روميّة، فإذا علمنا أن أرطغرل ولد في مدينة سوغوت الواقعة في الشمال الشرقي من شبه جزيرة الأناضول، علمنا أن قبيلة أرطغرل، كانت قد حلّت في هذه المنطقة قبل ميلاد أرطغرل، تقول الروايات الشعبيّة القابيّة، أنهم انتقلوا إلى أرض سوغوت قادمين من آسيا الوسطى، هرباً من الغزو المغوليـ الذي اجتحف آسيا.

وهناك أسطورة شعبيّة، يحكيها قصّاص العثمانيين، عن أوّل لقاء وقع بين أرطغرل وبين ملك السلاجقة، ذكرها فريد بك في كتابه تاريخ الدولة العليّة العثمانية، ولكن يظهر أنها من وضع قصّاصهم، وأن أرطغرل، هو من قدّم نفسه وقبيلته كخدّام في بلاط ملك السلاجقة، بُغية الحصول على الأمن من طرف السلاجقة، ولينال بذلك منافع ماديّة ومكاسب سياسية لم يكن ليحصل عليها لولا تحالفه مع السلاجقة، وانخراطه في خدمتهم، خصوصاً وأن السلاجقة إخوة له في النسب، حيث أن السلاجقة ينتمون إلى قبيلة قنق، إحدى كبريات قبائل الغزّ، التي ينتمي إليها أرطغرل.

ثم ورث الحكم عن ارطغرل ابنه عثمان الذي تُنسب إليه قيام الدولة العثمانية، مما يدل على أن والده ارطغرل لم يكن سوى أمير من أمراء السلاجقة، وقائد من قوادهم، ولكن بعد ضعف دولة السلاجقة، بدأ العثمانيون بتوسعة نفوذهم على حساب السلاجقة، في منطقة الأناضول، حتى استحوذوا على شبه جزيرة الأناضول، ثم بدأ العثمانيون الدخول إلى أوروبا الشرقية، حيث استولوا على أغلب بلاد البلقان، وباتت القسطنطينية محاصرة بالمقاطعات العثمانية الأوروبيّة.

ثم شرعوا في التوسّع جنوباً في البلاد العربيّة، على حساب الدولة المملوكيّة، التي كانت تخضع لها أكثر البلاد العربيّة، فجرت بين العثمانيين والمماليك وقائع منيت فيها المماليك بهزائم مروّعة، فاستحل العثمانيون الشام ثم مصر. ثم استحلوا بعد ذلك ليبيا وتونس والجزائر.

ارتكب العثمانيون منذ احتلالهم لتلك الديار، أفضع الجرائم، التي قد يرتكبها مجرم، فمنذ أن احتلوا البلاد العربيّة، عانا العرب فيها أنواعاً من الذلَ والعسف ونهب الأموال وانتهاك الأعراض.

يذكر المؤرخون في القرن العاشر والحادي عشر والثاني عشر، الهجريّة، أن العثمانيين أتراكاً وروميين، لم يكونوا يؤدون الصلوات، ولا يحضرون جمعة ولا جماعات، وكانوا يشربون الخمور والحشيش والبوزة، ويقارفون الزنا، بل والفاحشة الكبرى، وهو إتيان الذكران.

لما احتلوا دمشق، كان أول عمل قاموا به، هو نهب المدينة، واقتحام المنازل، ونهب ما فيها من أشياء ذات ثمن، وقاموا باغتصاب النساء والمًردان، وقاموا بفعل هذه الأفعال القبيحة في مصر لما احتلوها أيضاً. ولم يكونوا يترفّعون عن خسيسة يريدون القيام بها!

ويذكر المؤرخون: أن الجنود العثمانيين فتحو حانات لبيع الخمر والحشيش والبوزة، كما فتحو أوكاراً للدعارة، والقِوادة على النساء والصبيان المُردان، وهؤلاء النساء والصبيان تمّ خطفهم من المدن، ليعملوا قسراً في الرذيلة.

كان من جرأتهم، أن ولاتهم وقوادهم، إذا سمعوا بامرأة حسناء، بعثوا خدّامهم ليحضروها لهم، حتى لو كانت ذات زوج، ليقوموا باغتصابها.

بل بلغ من جرأتهم، أنه في القرن العاشر، قام الوالي العثماني لمدينة دمشق ببعث مندوبه لأخذ الضرائب من أهل جبل الدروز، فلما دخل ذاك المندوب العثماني رأى في أبناء الدروز غلاماً أمرداً وسيماً، فطمع ذاك القذر في فعل الفاحشة به، وأراده عن نفسه، فاستغاث الصبي بأهله، فأرادوا تخليص الصبي منه، فمن قوّة إدلال هذا العثماني، واعتداده بقوته وقوة أصحابه، ولعلمه أن الناس تخشاهم، وتخاف صولة الجنود العثمانيين عليهم، إن ألحقوا به سوءاً، طمع أنهم لن يستطيعوا أن يقتلوه أو يضربوه، لو أراد أن يأخذ الغلام غصباً عنهم، فأراد أن يأخذه منهم بالقوّة، وفعل الفاحشة به رغماً عنه وعنهم، فغضب أهل الصبي، فحملوا على ذاك اللعين فقتلوه، فلما بلغ الوالي العثماني ما فعله أهل جبل الدروز، أقام جيشاً كبيراً، وأغار عليهم، وقتل رجالهم، وسبى نسائهم وذراريهم، ونهب بلادهم وأحرقها!

ونفس الحادثة تكررت بعد قرابة مائة عام ولكن في ليبيا، حيث قام جنديّ عثماني باغتصاب فتىً ليبي، ابن تاجر من أهل طرابلس، فأخذ الأب المكلوم يصرخ ويستغيث بالناس ليخلّصوا ابنه من بين يدي هذا الفاجر اللعين، ولكن صراخ الرجل واستغاثته لم تمنع الجندي العثماني من الاستمرار في فعلته، 

ومن العجيب، وكلّ تاريخهم عجائب، أن الوالي العثماني لمدينة طرابلس الغرب، قبض على التاجر المسكين، وقام بضربه بالسياط حتى مات، عقاباً له على صراخه واستغاثته، وتهييجه للناس! 

يريد منه ان يترك الجندي يفعل الفاحشة بابنه وهو يرى ويسكت على ذلك، ولا يحرك ساكناً، لأن هذا الوالي أصلاً لا يرى في هذا الفعل بأساً، وقد يكون هذا الوالي وهذا الجندي ممن يُفْعَل بهم الفاحشة في صغرهم، فقد عُرِف بين العثمانيين، أنه لا يرتقي في المناصب إلا ملوطٌ به!

والأتراك لا يتحاشون من فعل اللواط، بل هم من أثّر في الروم في منطقة الأناضول، وجعلهم يقارفون هذه الجريمة، ويستسيغونها!

لأن اللواط كان شائعاً في قبائل الترك في أسيا الوسطى والشرقيّة، منذ القِدَم، وأقدم من ذكر هذه العادة القبيحة عند التُرك، هو السيرافي الرحّالة، الذي رحل إلى بلاد الهند واندونيسية والصين واليابان، في سنة 227 للهجرة، حيث ذكر أن اللواط كان معروفاً في بلاد الصين، وكانت له أوكار تخصّها، والصينيون كما نعلم، قبائل من الترك. وهذا يعني قِدم هذه العادة الخبيثة عند هذه الشعوب، يتوارثونها جيلاً بعد جيل، حتى أنهم نقلوها إلى من جاورهم من الشعوب.

وهذه الفعلة القبيحة مشهورة حتى بين سلاطين الدولة العثمانية، وممن اشتهر عنه مقارفة هذا الفعل بايزيد الأول، ومراد الثاني ومحمد الثاني الفاتح وسليمان القانوني وسليم الثاني ومراد الرابع، كما قام عبدالمجيد الأول بإلغاء تجريم الشذوذ الجنسي في سنة 1858م، وبالتالي إلغاء العقوبات المترتبة عليه، والتي يذكر المؤرخون أنها كانت مجرد حبر على ورق.

كان للعثمانيين، عادة سنويّة، يقوم ولاتهم فيها في مستعمراتهم بندب الجُباة إلى المدن والقرى لجمع الضرائب، يصحبهم طائفة من الجند، يقول المؤرخون: فلا يمرّون بقرية، إلا نهبوها، حتى يذكر المؤرخون، أن الأغنياء افتقروا، والفقراء أملقوا، ثم يهجمون على المنازل، ويقومون باغتصاب النساء والمُردان. حتى إذا فرغوا، خرجوا إلى القرية الأخرى وفعلوا بها مثل ما فعلوا بالأولى، وهكذا حتى يطوفوا على جميع القُرى.

حتى أن العرب كانوا يستغيثون من الترك، بل صاروا يهربون إلى المحتل النصراني خوفاً من الأتراك وبطشهم وظلمهم وجورهم وعدوانهم.

من ذلك أنه لما احتل البرتغاليون شواطئ الخليج العربي في القرن العاشر الهجري، كان العرب يستغيثون بالأتراك ليأتوا ويخلصونهم من البرتغاليين في الساحل الشرقي لجزيرة العرب، فلما قدم الأتراك إلى الأحساء والقطيف، وبدأوا يمارسون ما اعتادوه من نهب الأموال واغتصاب النساء والمردان، صار العرب يهربون من الأتراك إلى البرتغاليين، فكان البرتغاليون للعرب خيرٌ من العثمانيين الأنجاس!!

وفي حادثة مشابهة، وقعت في القرن الثاني عشر الهجري والثالث عشر الهجري، كان أهل مصر - بعد أن عانوا ما عانوه من الاضطهاد والظلم والجور والعدوان على أيدي العثمانيين - يستغيثون ويقولون: يا ليت الفرنجة يأتون ويخلصوننا من العثمانيين، وذلك لشدّة ما عانوه من العثمانيين!

كان العثمانيون يرفضون وبشدّة أن يقيم العرب أو غيرهم، ممن يسكنون تحت مستعمراتهم، جيشاً قوياً نظامياً قادراً على حماية البلاد من أي غزوٍ خارجي، خشية أن يستخدمه أهل البلاد في طرد العثمانيين منها، فالعثمانيون كانوا يعلمون أن أفعالهم القبيحة، قد تؤدي بالناس إلى القيام بثورة لو تمكنوا من ذلك، لذلك سعو إلى عدم توفِّر مثل هذه الفُرّص. واكتفوا بوضع حاميات عسكرية قوامها ما بين 500 جندي إلى 1500 جندي، في قلاع حصينة يبنونها لهم، وظيفة هذه الحاميات، إحكام القبض على المستعمرة التي يستعمرونها، وفرض أوامرهم عليها بالقوة، والوقوف في وجه أي ثورة شعبيّة مناهضة لهم لو حدثت، حتى تأتي الأمداد من سلطان العثمانيين.

ولذلك عندما قدم المحتلون الفرنسيون والإيطاليون والانجليز، لم يجدوا أمامهم سوى حاميات تركية ضعيفة، قاموا بدحرها وطردها من شمال أفريقيا والاستيلاء على تلك المستعمرات.

لم يقم العثمانيون بأي أعمال إصلاحية للمستعمرات التي كانوا يستعمرونها، فلم يكن العثمانيون يهتمون بالحرمين الشريفين، ولم يقوموا بأي إصلاحات لها، ولم يقوموا بإنشاء المدارس، إلا القليل منها في الشام، وبعض الجرايات على مساجد الضرار والأضرحة الوثنية، ولم يقوموا بتوطين البدو وتعليمهم، وقد كانوا على مدى الدولة العثمانية يغزو بعضهم بعضا وينهب بعضهم بعضا ويقتل بعضهم بعضا، بل تركوا الناس في البلاد العربية والإسلامية عرضة للفوضى وأسرى للجهل والجوع والخوف. 

لقد كان عصر العثمانيين من أشد العصور الظُلاميّة التي حلّت بالعالم الإسلامي.

ولم تكن هذه الأفعال القبيحة حبيسة فترة زمنيّة معيّنة من تاريخ العثمانيين، بل كان هذا دأبهم على مدى تاريخهم، فما من مؤرخ يؤرخ لفترة حكمهم في البلاد العربية والإسلامية في زمنٍ من الأزمان، حتى يذكر منهم ما يشيب لهوله الطفل الرضيع.

بعد هذا كله، يأتي من يقول، بأن الدولة العثمانية كانت دولة إسلامية، وأنها حمت حِمى الإسلام، وذادت عن حياضه، ونصرت المسلمين!

لا شك أن قائل ذلك لا يخلوا من أمرين: إما أن يكون مستعرب ذو أصول تركيّة، أو روميّة، فهو يجتهد في تلميع أسلافه، والتستّر على فضائحهم، والرفع من خسيستهم. أو أنه زنديق صوفي يريد أن يلمعهم لاتفاق المذاهب، أو جاهل، يردد ما يقال له دون علمٍ أو بصيرة.

حسناً، هل الدولة العثمانية دولة فتح إسلامي، أم دول احتلال واستعمار؟

جواب هذا السؤال ينبني على معرفتنا بما هو الفتح وما هو الاحتلال والاستعمار.

الفتح الإسلامي، يأتي بالرحمة، ولا يفرض الضرائب قليلةً كانت أو كثيرةً، على المسلمين، وإنما يأخذ منهم ضرائب تعرف بالزكاة، تؤخذ من أموالهم أو محاصيلهم، وفق أنصبة معلومة ونِسَبٍ معلومة، وأمّا الكُفَّار، فيأخذ منهم ضرائب، تعرف بالجزيَة، على كل فرد ما مقداره دينارين، والعُشر من كسب تجارهم ومزارعيهم. والزكاة والجزية لا تؤخذ إلا مرَّة كلَّ عام.ويُعغفَى الفقراء سواء كانوا مسلمين أو كُفَّار، بل يُعطون وتُنفِق عليهم الدولة الإسلامية من المال العام، لسدّ احتياجاتهم.

ويُراعي الفتح الإسلامي تربية الشعوب أخلاقيّاً، فهو يردع المجرمين، ويمنع الظُلم، ويحافظ على الأمن، ويحرص على تعليم المجتمع وترقيته ذهنيّاً.

ومثال ذلك الفتح الإسلامي في زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والفتح الإسلامي في زمن الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان، وكذلك الفتوحات العِظام في زمن الدولة السنيَّة السلفية الأمويَّة، وكذلك في زمن دولة المرابطين في المغرب الأقصى، وكذلك الدولة السعوديَّة الوهابيَّة، التي قامت في جزيرة العرب، هذه الدول هي مثال واضح للفتح الإسلامي بكل ما تعنيه الكلمة.

وأما الاحتلال، فيأتي بالعذاب، ويتم فرض ضرائب على أهل البَلَد المُحتلّ، هذه الضرائب لا تُراعي نصاباً معيّناً ولا نِسْبَةً مُعيَّنة، ولا تُميِّز بين غنيٍّ ولا فقير، ولا يُواسى الفقير بشي ءمن المال العام، بل يُترَك يواجه الصعوبات بنفسه. 

ولا يراعي الاحتلال تربية الشعوب أخلاقيّاً، بل يجتهد في جعلهم أسْرى للجهل والجوع والخوف، ليسهل عليه السيطرة عليهم.

ومثال ذلك: الدولة البويهية والسلجوقية والزنكيَّة والفاطميَّة والحشاشيَّة والأيوبية والتومرتيَّة والمملوكية والعثمانية، مع أن هذه الدول بعضها أشرُّ من بعض، وكلّها شرّ.

 إضافة إلى الاحتلال الصليبي واليهودي.

ولا تزال الدول التي تقبع تحت الاحتلال الشيعي أو الصوفي تعاني من الظُلم والجور والعسف والإهانة إلى يومنا هذا، كما نرى في إيران مثلاً.

وأنت إذا نظرت إلى تاريخ الدولة العثمانية خصوصاً وتلك الدول عموماً، من مصادره الأصيلة، وليست من الكتب المحدثة التي قام بتأليفها أصحاب المآرب الخاصّة، والتوجهات الفكريّة، لعلمت ذلك حق العِلم.

ولا يفوتُني أن أذكر هنا ما ذكره المؤرخون في القرتن العاشر الهجرين من أن أمير عدن أبْيَن، باليمن، بعث برسالة يستغيث فيها بالعثمانيين، لينصروه ضدّ البرتغاليين، الذين احتلوا سواحل الهند وعمان والخليج العربي، فبعثت الدولة العثمانية اسطولاً لأجل هذه المهمة، فلما قرب الأسطول من عدن ورأى أهلها الرايات العثمانية، تركوا ابواب المدينة مفتوحة، لأنه لا حاجة إلى إغلاقها، فهم يتصوّرون أن هؤلاء العثمانيين إخوانهم في الدين، وجاءوا لينصروهم ضد البرتغاليين الغازين المحتلّين، فلما رأى قائد الأسطول أبواب المدينة مُشرَعَة، أثار فيه هذا المنظر غريزته الإجرامية المتعطشة للسلب والنهب والاغتصاب، فأعطى الأوامر للجنود بالغارة على المدينة، فشن أولئك الخنازير والقِردة الغارة عليها، واقتحموها، وبدأو في قتل الرجال وسلب الأموال واغتصاب النساء والولدان، واقتيد أمير المدينة ووزراءه ومستشاريه، الذين لا شكّ أنه هالهم ما رأوه، إلى ذلك القِرد، والذي شتمهم وأهانهم وأذلّهم ثم أمر بقطع أعناقهم!

تخيّلوا أيه الإخوة، لا شك ان أهل عدن فرحوا بقدوم العثمانيين لما رأوا راياتهم تخفق على تلك السفن، وقالوا هؤلاء إخواننا العثمانيون، جاءوا لينصروننا ضد البرتغاليين النصارى، ولذلك لم يروا أن هناك حاجة لإغلاق ابواب المدينة، وعمّن يغلقونها؟! أيغلقونها في وجه من ظنوا أنه قادم لنصرتهم وحمايتهم؟! ليكتشفوا ان من ظنوه قادم لنصرتهم وحمايتهم، كان قادمٌ لإذلالهم وإهانتهم وقتلهم ونهب أموالهم واغتصاب نسائهم وولدانهم! لو احتلهم البرتغاليون لما فعلوا عُشر معشار ما فعلوه العثمانيون الأنجاس!

ولذلك لا نستغرب عندما نقرأ في التاريخ، أن العرب صاروا يلجؤون إلى البرتغاليين بعد أن راوا ما يصنعه بهم العثمانيون، مع أن العرب هم من دعوا العثمانيين أول مرّة ليعينوهم على طرد البرتغاليين! 

فالذين يثنون على هذه الدول المحتلَّة، وبعضهم من المنتسبين زوراً للمدرسة السلفيَّة، يعلمون فسادها دينياً، ولكنهم يسعون إلى تلميعها والثناء عليها، ومحاولة تصويرها بأجمل الصور، لأن بعضهم يعلم أن الناس تريد ذلك، وهو يريد لكتابه أن ينتشر، ويشتريه الناس، مما يعود عليه بالكسب المادّي الوفير، وبعضهم، على عقيدة المتكلمين والصوفية والرافضة، فيقوم بتلميعها لأجل أنهم على مذهبه، ويجتهد في سِتر مساوئهم، 

فهذه هي حقيقة الدولة العثمانية كما هي، لا كما يدّعي الكذبة الفجرة، من المحتالين، الذين يغشون المسلمين ويخادعونهم.

حتى أني مرة وجدت أحدهم قام برسم لوحة، فيها رجال عثمانيون، في سِجنٍ يغطيه الثلج، وهم يقومون بثقب الثلج وكأن تحت الثلج ماء، ويقومون بالوضوء للصلاة، وكتب يعلّق على هذه الصورة ويقول: جنود عثمانيون أسرى في الحرب الروسية عام كذا وكذا، وهم يثقبون الثلج ليتوضؤا لأداء الصلاة! بمعنى أنه يوهم الناس أن هذا هو حال الجنود العثمانيون، وأنهم أناس أهل دين وتقوى وصلاح، وهذا خلاف ما ذكره المؤرخون القدماء عن العثمانيين، من أنهم ما كانوا يصلّون ولا يصومون، وكانوا يشربون الخمر والحشيش والبوزة، وكانوا زناة ولوطيين، فهذا ماغ يسمى صناعة الوهم.

وقد ورد الوعيد الشديد في أمثال هؤلاء الكذابين في الأحاديث الصحاح، مثل حديث الرجل الذي يكذب الكذبة تبلغ الآفاق، يشرشر شِدقه إلى يوم القيامةى، لأن هذا النوع من الكذب، لا يمكن ألأن يدخل في أي قسم من أقسام الكَذِب المباح، بل هو غِشُّ وخداع للمسلمين، لتمرير أيدلوجيات معيّنة، او للحصول على مكاسب ماديّة.

ومن أراد المصدر، فعليه بمطالعة الكتب التالية:

رحلة السيرافي إلى الهند والصين واليابان وأندونيسية سنة 227هـ - 851م. لسليمان السيرافي.

وتاريخ بدائع الزهور في وقائع الدهور تأليف محمد بن إياس المصري (ت 930هـ)

وتاريخ حوادث الزمان ووفيات الشيوخ والأقران، تأليف أحمد بن الحمصي (ت 934هـ)

وتاريخ مفاكهة الخلان في حوادث الزمان، تأليف محمد بن طولون (ت 953هـ)

وتاريخ التذكار فيمن ملك طرابلس وما كان بها من الأخبار، تأليف محمد بن غلبون الليبي (ت 1150هـ)

وتاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار، تأليف عبدالرحمن الجبرتي (ت 1240هـ)

وتاريخ الدولة العلية العثمانية، تأليف محمد فريد بك (1338ه)

وكتاب القسطنطينية المدينة التي أشتهاها العالم، لفيليب ما نسيل، ترجمة مصطفى قاسم.

وكتاب سراي السلطان، لأتفيانو بون، ترجمة زيد الرواضية.

وكتاب في أصول التاريخ العثماني، لأحمد عبدالرحيم مصطفى.