حقيقة يوسف بن أيوب الشهير بالناصر صلاح الدين الأيوبي

في هذه المحاضرة، سوف نكشف جانباً من جوانب أحد أبرز الشخصيّات التاريخية، التي كان لها اثر واضح وبارز في التاريخ الإسلامي.

ألا وهي شخصية: يوسف بن أيوب بن شادي الدويني، الشهير بالناصر صلاح الدين الأيوبي.

وسبب حديثي عن هذا الشخص، هو أني وجدت أهل البدع والزيغ والضلال، يأتون على ملوك وحكّام أهل السنة والجماعة، وأعني بهم السلفية، أو ما يعرفون بالوهابية، فيتعمدون الكذب عليهم والتلبيس والتدليس على الناس في شأنهم بغية تشويه سمعتهم، وقد كنا نسكت عن مخازي ملوكهم وحكامهم لأننا كنا نرى أنهم جهال غُرِّر بهم من قبل كهنة المتكلمين والصوفية، ثم وجدنا أهل البدع والزيغ والضلال، يستخدمون شهرة سلاطينهم للتسويق لمذاهبهم الإلحادية وعقائدهم الوثنية، وهنا توجب علينا من باب النصيحة لله ولرسوله ولعامة المسلمين وخاصتهم، أن نفضح حقيقة كبار المتكلمين والصوفية، ليعرف الناس حقيقتهم، ويجتنبوا طريقتهم، ويعلموا أنهم ما أتيوا إلا من قِبَل التربية الفاشلة دينياً وأخلاقياً. فيعرف الناس الحق ويتبعوه ويعرفوا الباطل ويجتنبوه.

وسوف أقوم بسرد ما وجدته في صفحات التاريخ القديم، الذي سطّر تاريخ هذا الرجل من قلب الأحداث، حيث أن أكثر من سوف أنقل عنهم معاصرون ليوسف بن أيوب.

وحتى لا يأتيني من يقول أين مصادرك؟ فسوف أذكر المصادر في أخر هذه المحاضرة، ليتسنى لمن يريد التثبت والتأكد أن يرجع إليها. 

وهذه المحاضرة ليست بحثاً علميّاً حتى أذكر لك جميع ما ورد في التاريخ بالنص، وإنما هي محاولة لإعطاء المتلقّي فكرة عامة عن شخصيّة هذا الرجل، ولذلك أسرد الأخبار سرداً، وحتى لا يمل المتلقّي، لأن نقل الأخبار بالنصّ سوف يطيل هذه المحاضرة، ويخرج بها عن المقصود.

عندما احتلّ يوسف بن أيّوب بن شادي الشهير بـ الناصر صلاح الدين الأيوبي، مدينة القدس الشريف، طهرها الله من رجس اليهود والمتكلمين والصوفية، كما طهّر بلاد الحرمين من قبل، على أيدي أسود الإسلام، وأنصار الله ورسوله، وأنصار القرآن والسنة، المعروفون بالوهابيّة. فرح الناس، بهذا الإنجاز، الذي رأوه إنجازاً عظيماً، حتى صار هذا الرجل أيقونة، بل بلغ ببعض الجهّال، أنهم صاروا ينشدون الأشعار في الاستغاثة به، ليأتي ويحرّر القدس كما حرّرها أوّل مرّة. بل وأصبح يقدّم على أنه قدوة، يجب على الشباب المسلم الاقتداء به، والاحتذاء به.

فما هي حقيقة هذا الرجل؟ وهل هو فاتحٌ أم محتلّ؟ وهل هو مسلم أساساً حتى يقدم على أنه قدوة للشباب المسلم، أم أنه كمحمد الفاتح الذي غُرِّر الشباب المسلم به؟

عاش يوسف بن أيوب بن شادي في فترة زمنيّة وبيئة، استحكم فيها الجهل وشاع بين أفرادها البدع والضلالات، ووقع كثير منهم في الشرك الأكبر، نسأل الله العافية.

فقد صار حملة الدين والعلماء والمعلّمين والقضاة، أكثرهم من المتكلمين والصوفية، فلا يلقون تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، إلّا مشوباً بفلسفة ملاحدة الإغريق، أو بوثنيّات الوثنيّين، فتجد في المتكلمين من يقر بتوحيد الربوبية والألوهية، إلا أن كثيراً منهم أو لنقل أكثرهم قد تقلدوا توحيد أبي جهل وأبي لهب وأبيّ بن خلف، لا يعرفون توحيداً إلا توحيد المشركين، وهو الإقرار بأن الله هو المتوحِّد بالخلق فقط، أما في ملكه وأمره وتدبيره وألوهيّته، فقد زعموا أن له شركاء في ذلك كلِّه، فأجازوا دعاء غير الله الدعاء الشرعي، وهو أن تدعو الله تعالى في أمر لا يقدر عليه إلا الله عزّ وجلّ.

كما كانت القباب تبنى على القبور، وتُتّخذ مزاراتٍ، وقد تبنى المساجد على القبور، بموافقة من كهنة المتكلمين والصوفية، وعناية من السلاطين، الذين يتّبعون هؤلاء الكهنة.

وأما في الصفات، فكلهم على طريقة فلاسفة الإغريق، ومن سبقهم من اليهود والنصارى لاعتناق هذه المعتقدات السخيفة، والأقوال الساقطة البليدة.

لذلك عندما كنت أقرأ كتاب: هكذا ظهر جيل صلاح الدين، لمؤلفه ماجد بن عرسان الكيلاني، كنت أسخر حقيقة من مضمون الكتاب، وشِدّة جهل وبلادة كاتبه، لأنه أثناء ذكره للمدارس العلميّة التي ظهرت في تلك الحقبة، لم يذكر من بينها مدرسة واحدة سلفيّة سنيّة، بل كلها مدارس كلامية صوفية، تلقن الناس الإلحاد في صفات الله تعالى، ومنها ما يلقن مع ذلك الشرك الأكبر! ولم يذكر من الدعاة المصلحين سوى عبدالقادر الجيلاني، وحتى هذا جعله حسنة من حسنات أبي حامد الغزالي، ذاك الرجل الذي كان أحد معاول هدم العقيدة الإسلامية الصحيحة!

لقد كانت الشريعة في ذلك الوقت تقام في حدود معيّنة، فهي أشبه ما تكون غائبة عن الحياة العامة للمجتمع، فحانات الخمر والحشيش، وأوكار الدعارة، كانت مشرِعَةً أبوابها لمرتاديها، دون نكير، لا من السلطان ولا من العلماء المزعومون. ولا عجب من ذلك، فقد عَرَف التاريخ جيداً، أن علماء المتكلمين والصوفية، ما انتشروا في بلد، إلا وتبعهم الاستهانة بمحرّمات الله تعالى، فينتشر على إثر ذلك الفسق والفجور بجميع أنواعه، فتروج في بيئتهم شرب الخمور والحشيش ومقارفة الزنا بل واللواط أيضاً، وتنفق سوق هذه الأشياء في تلك البيئات، هذا عدا التهاون بالقيام بفرائض الله عز وجل.

وهذا النوع من المشايخ، محبّبون جداً عند كثيرٍ بل أكثر الخلفاء والسلاطين والملوك، ولذلك كان فُسَّاق الخلفاء والسلاطين والملوك، يدنونهم ويقرّبونهم، لأنهم إذا جاءوا بعالم سُني سلفي حقيقي، قال هذا حرام ولا يجوز، وحمله على أن لا يتعاطاه أو يتساهل مع الناس في تعاطيه، مما يدفعه إلى الحرج، لذلك يجد في المتكلمين والصوفية بغيته في تحليل ما حرّم الله، أو على الأقل يسكت عنه، ولا يضطرُّه إلى ترك ما تشتهيه نفسه من المحرمات، أو حمله على منع الناس عن ذلك!

فهذه هي الحالة الاجتماعية في تلك الحقبة الزمنية.

أما أسرته، فأصلهم من بلدة دوين، وهي بلدة من بلاد الأكراد، ولذلك قيل عن آل شادي، وهي أسرة يوسف بن أيوب، بأنهم أكراد. فيقال في نسبه: الدويني، نسبة إلى بلدة دوين. وأما آل شادي، فهم يدّعون أنهم من العرب، ولكن اختلفوا من أيّ العرب هم، فبعضهم قال: بأنهم أمويّون، من ولد عبدالرحمن الداخل إلى الأندلس، وأنه لما سقطت دولتهم بالأندلس، انتقل رجل من ولده إلى دوين، واستقر بها، فكان آل شادي هؤلاء من عقبه. وقيل: أنهم من بني مُرَّة بن عوف، وهي بطن من قبيلة غطفان، ويزعم النسّابة، أن بني مرة بن عوف هؤلاء من قريش نسباً، وأنهم انتقلوا وحالفوا غطفان، وانتسبوا إليهم.

مع أنه لا يوجد أي دليل يثبت أحد هذه الأقوال، إنما هي ادعاءات وتمنّيَات.

وهناك من يُشكِّك في صلة آل شادي بالعرب، وأنهم ما ادعوا ذلك، إلّا للتقرب والتزلّف للعرب، الذين كانوا أكثر أهل الشام ومصر.

وأول حدث روي عنهم، أنهم قدموا إلى بغداد من بلدة دوين، وخدموا بهروز شِحنة بغداد، فقام بهروز بتعيين أيوب مستحفظاً لقلعة تكريت، وأنزلهم فيها، ومعه أخوه شيركوه، فنشب خلاف بين شيركوه وبين رجلٍ من رجالات البلدة، فقتله شيركوه، مما أحفظ بهروز على شيركوه، فطرده وأخوه أيّوب منها، وهذا يدل على استهتار شيركوه بالدماء، ويدل على ضياع الشريعة الإسلامية وعدم القدرة على تطبيقها في تلك البلاد وتلك الأزمان، لأنه كان من الواجب، أن يقدم شيركوه إلى المحاكمة، فإما أن يقتل قصاصاً، أو يتصالح مع أهل القتيل على دية يدفعها لهم، ولكن لا شيء من ذلك يذكر!

لما انتقل شيركوه وأخوه أيوب عن تكريت، لجؤوا إلى زنكي، وصاروا خداماً له، فعيّن زنكي ايّوب مستحفظاً على قلعة بعلبك، فكان بها حتى وفاة زنكي، وحاصر أمير دمشق بعلبك ليضمها إلى مملكته، إذ أن الأمراء في تلك الأزمان كانوا يتقاتلون على الملك، كل واحد منهم يريد الملك لنفسه، فلما ضاق الحصار بأيّوب، قام بتسليم القلعة على رشوة قبضها من أمير دمشق، فخرج منها ونزل في بلدة دمشق، فاستقبله أهلها ورحبّوا به، بينما نزل شيركوه حلب، وانظمّ إلى رجالات نور الدين بن زنكي وخدّامه، وكان نور الدين يسعى لاحتلال دمشق وضمها إلى ممتلكاته، ولكنه كان يعجز عن ذلك، فاستغل وجود أيوب في دمشق وخدمة أخيه شركوه له، فطلب من شيركوه أن يراسل أخاه أيوب في أن يغدر بأهل دمشق، وأن يفتح لنور الدين باب البلدة سِرّاً إذا جاء ليحتلها، ودفع نور الدين زنكي مقابل ذلك، رِشوة كبيرة، وهي عبارة عن إقطاعات يقطعهم إيّاها، فوافق شيركوه وأخوه أيّوب على أخذ الرِشوة والغدر بأهل البلد الذين استقبلوا أيوب وأكرموه وآووه وأتمنوه!

وبصريح العبارة، يعتبر أيوب وأخوه مرتشين، ويعتبر أيّوب والد يوسف خائن، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معاني! وسوف يأتي معنا ما يدل على فساد أيوب والد يوسف في طيّات هذا الحديث، بإذن الله تعالى.

فهذه هي البيئة التي نشأ فيه يوسف بن أيوب بن شادي، ولذلك لا نستغرب عندما قال المؤرخون، أن يوسف بن أيوب نفسه، لم يدع شرب الخمر، إلا بعد أن صار وزيراً لأخر خلفاء الدولة الفاطمية، وقبل أن يأمره نور الدين بخلعه والدعاء للخليفة العباسي.

ودائماً وابداً أوّل خطوة نتخذها في معرفة صلاح الرجل من فساده، هو معرفة حاله مع توحيد الله تعالى، التوحيد الذي هو أصل الدين، وهو الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، وهو المميز بين أهل الجنّة وأهل النار.

وللتنبيه: أيّ شخصٍ يتهكّم على هذه القاعدة العظيمة، وهو أن التوحيد، هو المعيار الرئيسي في الحكم على الأفراد والجماعات، فاعلموا أنه زنديق خارج من دائرة الإسلام، كائناً من كان.

فما هي عقيدة يوسف بن أيوب وأهل بيته.

ينصّ المؤرخون على أن يوسف بن أيّوب كان أشعرياً صوفيا قبورياً خرافيّاً. تلقى العقيدة الاشعرية منذ نعومة أظفاره.

وقد بلغ به الأمر أنه كان يكفّر من خالف العقيدة الأشعرية، وكان يأمر المؤذنين بقراءتها كل ليلة.

بل إنه كان يمنع الوظائف عمن لا يعتقد معتقد الأشعري! ويجعلها حكراً على الأشعرية، وكان يدني الأشعرية، ويقصي أهل السنة الذي هم السلفية!

وكان له شيخٌ يدعى الخبوشاني، يقول المؤرخون: كان يوسف يعتقد فيه. وهذه العبارة لها مدلول خطير عند الصوفية، لأن معناها عندهم، أي: أنه يعتقد فيه الولاية، وان له عند الله تعالى جاهٌ عظيم، ومنزلة رفيعة، وأنه بذلك قد ينفع ويضرّ! حتى أنه لما أمره ببناء الضريح على قبر الشافعي، خسر في ذلك أموالاً طائلة، وكانت هذه الأموال، من الضرائب التي كان يفرضها على الناس، يعني حرام في حرام.

وكان يوسف بن أيّوب، يقيم حفلات المولد النبوي –زعموا- وعندما يقوم الدرويش الصوفي الذي يسمونه: الفقير. ليهزّ مؤخرته في المسجد، يرقص ويتمايل على أنغام الطبول والمزامير، كان يوسف بن أيّوب يقوم واقفاً إجلالاً لهذا الفقير، ولا يقعد حتى يقعد الفقير!

إنه يشبه إلى درجة كبيرة، ما نراه اليوم من المُريدين الصوفية، وما يظهرونه من حماقات عند مشايخ الطرق الصوفية.

هذا هو صلاح الدين!!

وهذا هو الدين الذي سعى يوسف بن أيوب إلى إصلاحه!

لذلك الذي سمّاه صلاح الدين، هم المتكلمون والصوفية، لأنه أصلح لهم دينهم، بإقامته لهم، وجبر الناس عليه!

ولكن ليت شعري، لماذا يصف المنتسبون إلى السلفية يوسف بن أيوب بصلاح الدين!! وهو الذي عمل جاهداً على محو مذهبهم، وإقصاء عقيدتهم!!

لكن حياة هذا الرجل فيها الكثير من النواحي التي تكشف لنا حقيقة شخصيّته، ومدى مصداقية من يثنون عليه، ويحيطونه بهالة من التقديس.

كلنا نعلم أن آل شادي كانوا صنائع نور الدين، ووالده زنكي، ولما أخرجهم إلى مصر، لنصرة الخليفة الفاطمي ضد الصليبيين، كان قد أمدهم برجاله وماله وعدّته وعتاده، 

فلما توفي شيركوه وتولّى يوسف الوزارة، طلب يوسف بن أيوب من نور الدين أن يرسل إليه جميع أهله، من آل شادي، فجهّزهم له، وأخذ عليهم العهود والمواثيق على طاعته والإخلاص له، وكلّهم أقسم على ذلك، 

ولمّا تبيّن ضعف الخليفة الفاطمي عن القيام بسياسة الملك، وعجزه عن السيطرة على مقاليد الأمور، بعث نور الدين إلى يوسف يحثّه على خلع الخليفة الفاطمي، والدعوة إلى الخليفة العباسي، ففعل ذلك بعد تمنّع وخوف من ثورة المصريّين عليه، 

وكان للفاطميين، جيش من الرجال السود، وكانوا يقيمون بأهليهم في ناحية من مصر، فلما خلع يوسف الخليفة الفاطمي، غضب هؤلاء السود لأسيادهم، واجتمعوا وخرجوا ثائرين على يوسف، فبعث لهم جيشاً، فاستطاعوا دحره، فما كان منه إلا أن بعث أخاه إلى قريتهم وفيها نسائهم وأولادهم فأضرم النيران فيها! فلما علم السود بما جرى بأهليهم، انخلعت قلوبهم، وهربوا في كل وجه، فلحق بهم الجيش الأيوبي يقتلون ويأسرون، 

فهل بالله عليكم، يقوم بمثل هذا الفعل الشنيع، من تحريق النساء والصبيان، رجل عنده مروءة، فضلاً عن أن يكون له دين؟! وهل هذه هي وصاية النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء والصبيان والشيوخ؟! حاشا وكلّا، لا يقوم بذلك إلا نمرودي الطبيعة، فرعوني النزعة.

فلما استتب ليوسف الأمر، بهذه الطريقة الشنيعة، ونظر عظمة الديار المصريّة وكثرة خيراتها، طمع في الملك، وأراد الاستئثار بها دون نور الدين، 

ومع كون يوسف وأهل بيته اقسموا لنور الدين على طاعته والإخلاص له وعدم الخروج عليه وأعطوه مواثيقهم وعهودهم على ذلك، إلا أنهم جميعاً لم يفوا بما اقسموا عليه، وهذا يدل على استهتارهم بالأيمان والمواثيق والعهود، 

ولذلك خان يوسف بن ايوب سيّده نورد الدين محمود ثلاث مرات في حروب نور الدين  مع النصارى، ففي كل مرة يدعوه نور الدين أن يجهز جيشاً من مصر ويسير به إلى فلسطين، حيث يجتمع بهم نور الدين ويغزو بهم النصارى لإخراجهم من فلسطين، كان في كل مرة يجهز الجيش، حتى إذا كاد أن يلتقي به، عاد إلى مصر وتعلّل ببعض العِلل.

ومن الذي يحضه على الرجوع، هم اقاربه وكبار رجال الجيش الذين معه، حيث يخوفونه من أن نور الدين، قد يقبض عليه ويخلعه من ولاية مصر لو اجتمع به، وهم لا يريدون أن يقوم نور الدين بخلع يوسف بن ايوب، ليس حباً في يوسف بن أيّوب، بل لأنهم هم أنفسهم، كانوا منتفعين من بقاء يوسف بن ايوب في ولاية مصر مادّيَّاً.

بل كان يوسف بن أيوب يريد بقاء النصارى في فلسطين، ليكونوا حائلاً بينه وبين نور الدين.

بل إنه غزى بلاد النوبة وقام باحتلالها، حتى إذا ما غزاه نور الدين وهزمه وأخرجه من مصر، يخرج هو إلى ملكه ببلاد النوبة.

وقد كان نور الدين قد أزمع حقاً إلى المسير إلى مصر وإخراج آل شادي منها قسراً، لما تأكّد لديه خيانة آل شادي له، ولكن منيّته حالت دون إتمام الأمر، ولم يخلف نور الدين إلا صبيّاً صغيراً عمره إحدى عشرة سنة، اسمه: الصالح إسماعيل، فعندئذ استفرد يوسف بملك مصر، بل وطمع في ضم ممالك الصالح إسماعيل إليه، فخرج من مصر في جيش كبير، واقتحم الشام، ولا زال يستولي على بلاد الصالح إسماعيل حتى حاصره في عاصمته حلب، ولم يفك الحصار حتى تم تسليم المدينة. في حروب استمرت سنوات عديدة، والنصارى في فلسطين لا يروّع لهم سِرْب ولا يُكدّر لهم شِرب. 

وبسبب هذه الخيانات تأخر فتح القدس الذي كان يطمع فيه نور الدين عشرين سنة!

بل يقول المؤرخون: أن الناس كانوا يلعنون صلاح الدين وامراء الشام، لأنهم كانوا يقتتلون على الملك والسلطان والنصارى بفلسطين آمنون!

وكان أيوب والد يوسف أحد المحرّضين ليوسف على خيانة نور الدين، والخروج عليه.

ولما استقام الأمر ليوسف بن أيّوب بالشام، أراد بزعمه أن يشكر الله تعالى على أن ملّكه البلاد، فأصدر أوامر بإغلاق حانات الخمر والحشيش، ولكن والده أيّوب أعاد فتحها بدعوى أنها تدر الكثير من المال لخزينة الدولة عن طريق الضرائب التي كانت تفرض عليها!! يريد أن يملئ خزينة دولة ابنه بالمال الحرام! وليأكل منها هو! 

وهذه إحدى الدلائل على فساد أيّوب والد يوسف، وإحدى الدلائل على فساد البيئة التي نشأ فيها يوسف.

ولما استحكم الأمر ليوسف بن أيّوب، أخذ الناس يحثونه على غزو النصارى واسترداد القدس، فبدأ في حرب النصارى، ولكن بفتور شديد، ولم يجرؤ على قتال النصارى وانتزاع القدس منه، حتى علم بضعف الجيش النصراني، وتفشي الأوبئة فيه!

عندئذ تقابل معهم في معركة حطين، وهزمهم ودخل القدس.

ولم تكن معركة حطِّين بتلك المعركة الكبيرة بحسب الصدى الذي أحدثته، فالجيش النصراني كان متهالكاً أساساً، وكان مستعدا للهزيمة من قبل أن تبدأ المعركة، مع قلة عدد وعدّة، وضعف في البُنيَّة.

ولذلك حشر هذه المعركة مع المعارك العِظام التي أوقعها أهل الإسلام، يعتبر إهانة للوقائع العِظام التي أوقعها أهل الإسلام بالكفر.

ولم يستطع يوسف إخراج النصارى من كامل الساحل الشامي، بل بقيت في أيديهم المدن الشمالية منه، ولما جاءت الأمداد إلى النصارى بفلسطين، كان يظهر أنواعا من الجُبن والخور في حربه لهم، عكس ما كان يظهر منه أيام حروبه مع الصالح إسماعيل وامراء الشام! حتى أن النصارى سَبَو أهالي مدينة عسقلان، واخرجوهم وهو واقف بجيشه ينظر إليهم، فقتلوهم عن أخرهم، ولم يتجاسر أن يتقدم خطوة واحدة لمساعدتهم.

وهكذا استمر الحال إلى أن هلك يوسف بن ايّوب، حيث لا يزال النصارى يحتلون الكثير من المدن الساحلية.

بل كان ولاة يوسف بن أيوب على المدن والقرى، يتاجرون مع النصارى المحتلِّين، ويبادلونهم البيع والشِراء، وكأنهم جيران وأحباب، وليسوا متحاربين وأعداء، حتى قال المؤرخون: لو لم يفعل ولاة يوسف بن أيوب ذلك، وقاطعوا النصارى تجارياً، لاضطروا النصارى للخروج من الساحل الشامي، وهذا مثال أخر على فساد ولاة يوسف بن أيوب، وفساد المجتمع في ذلك الزمان دينياً وأخلاقياً.

وكانت حانات الخمر والحشيش في عصر يوسف بن أيوب تعمل بكامل طاقتها الاستيعابيه، ويفرض عليها الضرائب التي يعود ريعها إلى خزينة الدولة، وإلى جيوب آل شادي.

وأما سوق الدعارة، فكان في زمانه قائماً، وكنّ العواهر يطفن البلاد عرضاً وطولاً بلا نكير ولا حساب ولا عقاب! وإن لم يُذكر أنه كان في زمانه أوكار معدّة لمقارفة الزنا، ولكن وجود ما يسمونه: القحاب، كان أمراً شائعاً في ذلك الوقت، وعلى أعلى المستويات، أي: على مستوى القواد والأمراء.

وفي النصوص التاريخية للمؤرخين الذين دونوا تاريخ تلك الحقبة وبعضهم عاصرها، ما يثبت ذلك.

وأما الشريعة، فكما يظهر أنها لا تطبق إلا على ما يقع بين العامة من خصومة فقط!

وأما عن الظلم والجور، فقد اشتهر زمن يوسف بن أيوب بصنوف من الظلم والجور عجيبة، بعضها يدل على تلاعب الرجل بالشريعة، واستخدامها لسرقة أموال الناس.

فلما أمكنه الله من ملك مصر، بموت نور الدين محمود، أعلن إسقاط المكوس، التي كان يأخذها من التجار ومن الحُجّاج، كما أعلن إغلاق حانات الخمر والحشيش، 

فأما حانات الخمر والحشيش فقد أعاد فتحها والده أيّوب، 

وأما المكوس فقد أعادها ولكن بمسمى أخر، وبعذر عجيب، فقد أعادها على أنها زكاة، وأنه يجب على من يمرّ ببلاده من التجّار والحجّاج، أن يدفع زكاة أمواله، وعند النظر والتدقيق تجدها هي المكوس التي أعلن سابقاً إسقاطها! ثم هو يأخذها دون أن يتقيّد بأي ضابط أو شرط. فالزكاة إنما يأخذها السلطان على من كان تحت حكمه، وفي أشياء مخصوصة، وبعد أن تبلغ النصاب، وبعد أن يحول عليها الحول، وكل هذا لم يكن يُعتَدّ به في أخذهم للزكاة المزعومة من التجار والحجّاج، فكل شيء يتم تقديره ثم يُعشّر. 

والأعجب من ذلك، أنهم كانوا يعشّرون الحجيج مرتين، ففي مصر يتم تعشير الحجاج المغاربة في ميناء الإسكندرية، ثم يعشرونهم مرة أخرى عند مرورهم بالصعيد، وهناك تعشير ثالث يقوم به والي مكة، عند دخولهم إلى ميناء جدة!!

وكان عُمّال يوسف بن أيوب يسيؤون معاملة الناس، ويهينونهم، ويحتقرونهم، ويستخدمون المناخس لتفتيش الحقائب والبضائع، خشيت ان يقوم التجار أو الحجيج بإخفاء شيء عنهم، فكل شيء يجب أن يُعشَّر!

بل إن من المفارقات العجيبة، أن ولاة النصارى في الساحل الشامي، كانوا يأمرون عمّالهم بإحسان معاملة التجّار والحجيج الذين يمرّون ببلادهم، وأن يكرموهم، ويحسنون وِفادتهم وضيافتهم، في حين يتم العكس تماماً في دولة يوسف بن أيوب بن شادي الدويني! 

كما ذكر المؤرخون، أن المسلمين تحت حكم النصارى في الساحل الشامي، كانوا منعّمين، وكان التجار والمزارعون والصنّاع والصيادين، لا يؤخذ منهم إلا ضرائب يسيرة لا تُثقِل كواهلهم، بخلاف الوضع البائس الذي كان يعيشه إخوانهم تحت حكم يوسف بن أيوب، لشدة وطأت رجال يوسف بن أيوب، والضرائب الباهظة التي كانت تفرض عليهم. حتى قال المؤرخون: أن المسلمين تحت ولاية النصارى كانوا يأسفون لحال المسلمين الذين تحت ولاية يوسف بن أيّوب!

وهذا يدل على فساد تربية هذه العائلة دينياً وأخلاقياً، وفساد المجتمع بأسره دينياً وأخلاقيّاً، وكيف لا يكون هذا هو حال الأفراد والمجتمعات، ومن قام بتربيتهم وتنشئتهم هم ملاحدة الأشاعرة والماتريدية والوجوديّة، وخرافيوا الصوفية!

لما استحوذ يوسف بن أيوب على ملك مصر، انتزع الجامع الأزهر من أيدي الرافضة وسلّمه إلى ملاحدة الاشاعرة ووثنيو الصوفية، فكان ولا يزال مسجد ضرار.

واتخذ يوسف طبيباً يهودياً، يعني دولة يوسف بن أيوب على عرضها وطولها، لا يوجد فيها طبيب مسلم، حتى يضطر لتعيين طبيب يهودي!!

وكأن يوسف بن ايوب، يخشى إن وضع طبيباً مسلماً، أن تأخذه الحميّة مما يفعله يوسف بن ايوب، فيدس له في دوائه سمّاً يقضي عليه، وهذا يعبر عن مدى شكّ يوسف بن ايوب في ولاء مواطنيه المسلمين، ولولا أنه يسيء معاملتهم، لما شكّ في ذلك.

واسم هذا الطبيب اليهودي: موسى بن ميمون، ولا ننسى أن موسى بن ميمون هذا كان إلى جانب معرفته بالطب، فيلسوفا يهودياً، وقد ألف كتابا بعنوان: دلائل الحائرين، عطّل فيها صفات الرب عز وجل، على طريقة الاشاعرة والماتريدية والمعتزلة، وقد عني الأشاعرة بهذا الكتاب عناية عظيمة، وفرحوا به، حتى أن أحدهم قام بتحقيقة في العصور المتأخرة، مما يدلّ على الأصول اليهودية لهذه الطائفة المنتسبة إلى الإسلام!

فكما نعلم أن عقيدة التعطيل أخذها الاشاعرة والماتريدية والمعتزلة عن ملاحدة الإغريق، بواسطة اليهود والنصارى، بل إن التاريخ يخبرنا بأن التعطيل أساساً أُخِذ من فلاسفة النصارى، وأن أول من قال بالكلام النفسي هو يوحنا الدمشقي من كبار النصارى عاش في أواخر القرن الأول وبداية القرن الثاني الهجري. ثم بعد ذلك صار المتكلمون المنتسبون إلى الإسلام، يأخذون عقيدتهم في تعطيل صفات الباري سبحانه من كتب فلاسفة الإغريق مباشرةً.

وعندما شعر يوسف بن ايّوب بدنو أجله، قام بتقسيم البلاد بين أبناءه، لأنه كان يعدها ملكاً خاصاً، وهذا يرد على من يدّعي أن يوسف بن أيوب كان يقاتل جهاداً في سبيل الله، فكل ما سطره التاريخ عنه، يثبت وبجلاء أنه ما قاتل إلّا لأجل الدنيا، وحيازة الأموال.

بعد هذا كلّه، يأتي من يثني على هذا الشخص، ويمجده، ويريد أن يجعل منه ايقونة، وقدوة يقتدي بها شباب المسلمين!

وأكثر من كذب على الناس بشأن هذا الرجل، هم مؤرخوا الإخوان المفسدين، وأذنابهم السرورية، أو ما يدعى بالجناح السلفي لجماعة الإخوان المفسدين، الذين لمعوا هذه الشخصية، حتى غدا الناس يعتقدون أنه مثل ابي بكر أو عمر أو عثمان أو علي.

ولا أعلم ما هدفهم من ذلك؟ إن كانوا يريدون ان يصنعوا قدوات للشعوب الإسلامية، فقد كان لهم في النبي والصحابة ما يغنيهم، وكذلك ملوك بني أميّة وصدر الخلافة العباسية بل والدولة السعودية والدعوة الوهابية ما يغنيهم ويكفيهم.

لأن الدولة السعودية والدعوة الوهابية، هي الدعوة التي قامت على الكتاب والسنة، وقامت لأجل هدف واحد لا ثاني له، وهو الجهاد في سبيل الله، حقيقة لا ادعاءً وكذباً وتزييفاً، وتنقية الدين من الشوائب التي ألصقها به زنادقة المتكلمين والصوفية والرافضة، وإقامة السنّة ودحر البدعة، والتاريخ خير شاهد على ما أقول.

وفي علماء السنة علماء السلف من الرعيل الأول، وفي علماء الدعوة الوهابية وجهادهم في تعليم الدين الإسلامي الحنيف، كما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، ما يغني في تقديم قدوات حقيقية يجب على الناس اتباعها والاقتداء بها.

ولكن أكثر الناس لا يعقلون!

ولكن الحقيقة أن الإخوان المفسدين، لم يقدموا هذه الشخصية ولا غيرها من الشخصيات التافهة مثل محمد الفاتح أو غيره، إلا لأجل كسب مصالح مذهبية وسياسية واقتصادية. هذه هي الحقيقة.

ونأتي الآن إلى ذكر المراجع وهي:

تاريخ الكامل لابن الأثير، ورحلة ابن جبير، والنوادر السلطانية لابن شداد وهو أحد قضاة الأيوبيين، والروضتين في أخبار الدولتين لأبي شامة، ووفيات الأعيان لابن خلكان، ومفرِّج الكروب لابن واصف، وبغيت الطلب في تاريخ حلب لابن العديم، والفوائد الجلية لحسن الأيوبي، وخطط المقريزي، واتعاظ الحنفاء للمقريزي أيضاً.

وكل هؤلاء اشاعرة صوفية، ليس بينهم سلفي وهابي البتّة، وما ينقلونه من مخازي هذا الرجل يأتي على ضربين:

ضرب: لا يعتبرونه هؤلاء المؤرخون عيباً أو أداة في الطعن، بل يعتبرون وقوعه أمراً عادياً، وكيف يظنون غير ذلك وهم اشاعرة صوفية، فهم يروونه بسلامة خاطر، وظناً أنه لن يأتي أحد في المستقبل ليكتشف حقيقة هذا الرجل من خلال هذه الأخبار التي أوردوها.

وضربٌ: علموا فساده وقبحه، وشناعة وقوعه من أي شخص، ولكنهم يجتهدون في الدفاع عن يوسف بن أيوب ويقتبسون له الأعذار الواهية التي لا قيمة لها.

مثلا ابن جبير الاشعري الصوفي القبوري الخرافي، كان معجباً بيوسف بن أيوب، ولكنه عندما يذكر ما يقع في بلاده من الظلم والجور، يقول: لم يكن للسطان علم بذلك كله! وهذا كذب، لأن العمّال لا يمكن أن يقوموا بأي عمل إلا وفق الأوامر التي تصدر إليهم من يوسف بن أيوب نفسه، بل إن ابن جبير نفسه، اعترف أن بعض ما يقع من جور يأتي بأمر من السلطان أي: يوسف بن أيوب. ولكنه مع ذلك كان معجباً به لانه اشعري ولأنه قوبري خرافي مثله، حيث كان معجباً غاية العجب بالقبّة التي بناها يوسف على قبر الشافعي، وكان يقول: سبحان من جعله صلاحاً لدينه كأسمه! 

وأما ابن الأثير فكان شخصاً اشبه بالمحايد، فمع كونه أشعري صوفي، إلا أنه كان ينقل الأحداث التي وقعت في زمانه كما بلغته، ولكن لأنه كان يكشف حقيقة يوسف ومآربه وأطماعه في الملك، مع أنه لم يكن يسوقها للطعن فيه أو انتقاصه، فقد أدعى مؤرخو الإخوان المفسدين أنه كان مواليا لآل زنكي، وكان يتحامل على يوسف بن أيوب لأجل ذلك. وهذا هراء، لأن جميع ما ذكره ابن الأثير عن مآرب يوسف وأطماعه السياسية أثبتها التاريخ فيما بعد. 

مثال ذلك: عندما مات نور الدين، والتفّ كبار قواده على ابن الصالح إسماعيل، كتب يوسف بن أيوب رسالة إليهم وقال: لقد استأثرتم بابن سيدي نور الدين، وهانا قادم لأخلصه منكم، وأقوم برعاية سيدي، وأرد له جميل والده عليّ. فقال ابن الأثير معلقاُ: إنما قال ذلك ليجد عذراً للقدوم إلى الشام، وانتزاع بلاد الصالح منه، وهذا ما وقع بالفعل، حيث قدم إلى الشام فلم يزل يستولي على أملاك الصالح إسماعيل حتى سلّم إليه مدينة حلب.

وأما ابن شداد فبحكم أنه قاضي يوسف فكان يكيل إليه المدائح، ولكنه كان يروي مخازيهم عن سلامة خاطر، وظناً منه أنها لا تقدح في دينهم وأخلاقهم.

لذلك الذي يريد أن يستخلص الحقائق التاريخية سوف يعرض هذه الأخبار على الدين والأخلاق، ليكتشف هذه الحقائق.

انتهى


حقيقة محمد الثاني الفاتح وهل هو الأمير الذي بَشَّر به النبي (ص)

لما قام السلطان العثماني محمد الفاتح باحتلال القسطنطينية، فرح المتكلمون والصوفية بهذا العمل فرحاً عظيماً، وزعموا أن محمد الثاني هو الأمير الذي بشَّر به النبي محمد (ص) في الحديث الحسن، الذي رواه أحمد في مسنده والطبراني في معجمه والبخاري في تاريخه، عن بشر الخثعمي أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: "لَتُفتَحَنَّ القُسطَنطينيَّةُ فنعمَ الأميرُ أميرُها ونعم الجيشُ ذلك الجيشُ قال: فدَعاني مَسلَمَةُ بنُ عبدِ الملِكِ فسألَني فحدَّثتُه فغَزا القُسطَنطينيَّة". واتخذوا من ذلك دليلاً على صحة مذاهبهم وطرائقهم الشيطانية، المخالفة صراحة للكتاب العزيز والسنة النبويّة! وقد كان يكفيهم في بيان ضلالهم وبعدهم عن الحق، مخالفة مذاهبهم وطرائقهم لهدي الكتاب والسنّة، ولكنهم وجدوا في ذلك حيلة يحتالون بها للتلبيس والتدليس على الناس والتسويق لمذاهبهم وطرقهم الشيطانية.

وفي هذه المحاضرة، سوف نقف عند هذه الشخصيّة قليلاً، نظراً للهالة الإعلامية الكبيرة التي أُحيِطَ بها، وهل هذا الرجل هو حقاً من بشَّر به النبي صلى الله عليه وسلم؟

تعالوا نتعرف على هذا الرجل عن كثب، حتى نعلم حقيقة الأمر.

إن أهم ميزة نستطيع من خلالها معرفة حال الرجل من حيث الصلاح والفساد والاستقامة والميل هي توحيده، الذي هي أصل الدين، وبها يتمايز أهل الجنّة من أهل النار، فإن صلح فهذا دليل على أن هذا الرجل على خير، وإن وقع في شيء من هذه الذنوب التي لا تمسّ التوحيد، لأن ابن آدم خطّاء، وخير الخطائين التوابين، وإن فسد توحيده، فلا خير في عمل يقدّمه بعد ذلك، أما انجازاته ومكاسبه التي يحدثها في حياته، فالكثير يستطيعها، هذا جنكيز خان، استولى على أكثر آسيا الشرقيّة، واستولى أبناءه من بعده على أكثر آسيا، وهم مشركون يعبدون الأوثان، وقاتلوا اليهود والنصارى وهم مشركون يعبدون الأوثان، فلم يكن هذا ليدلّ على صلاحهم ولا على تقواهم، ولا على قربهم من الله تعالى، ولكن الله تبارك وتعالى يداول الايام بين الناس لحكمة يعلمها.

وعلى هذا فلو أن محمد الثاني انتصر في معاركه ضد النصارى، واستطاع الاستيلاء على مدينة القسطنطينية، فهذا كله لا يعني شيئاً البتَّة، إذا كان إسلامه المزعوم، إسلامٌ باطل، بل نقول: بان ما وقع له من انتصارات، هو من جنس ما وقع لجنكيز خان وغيره من ملوك المشركين.

فتعالوا نتعرف على دين محمد الثاني، وهل كان مسلماً حقاً أم كان مشركاً يدّعي الإسلام، كما كان مشركو قريش والعرب يدّعون أنهم على الحنيفية ملَّة إبراهيم عليه السلام.

تقول الدكتورة حنان بنت عطية الله المعبدي في كتابها: التصوّف وىثاره في تركيا في العصر العثماني عرض ونقد، ما نصّه: "وقد عهِد مراد الثاني بتربية ابنه محمد الفاتح إلى شيخٍ من مشايخ الطريقة البيراميّة وعو: آق شمس الدين، بناء على ترشيح من الحاج بيرام نفسه".

قلت: وهذا نصٌّ صريح، في أن محمد الفاتح كان صوفياً على الطريقة البيرامية، فما هي الطريقة البيرامية؟ وما هي أبرز عقائدها؟

تقول الدكتورة حنان، بان الطريقة البيرامية، منسوبة لمؤسسها المدعو بيرام، والذي كان فلّاحاً يقيم بأنقرة عاصمة الدولة العثمانية في زمن مراد الثاني، وهو أحد دراويش الطريقة الملامية، إحدى الطرق الصوفية، ولكنه شرع في تأسيس طريقة خاصَّةٍ به، وقد تقرّب هذا الشيخ إلى السلطان مراد الثاني، والد محمد الفاتح، حتى صار ذو حضوة عنده، حتى أن السلطان مراد الثاني، أعفى مريدي بيرام من الضرائب، لذلك كثر معتنقوا طريقته في الدولة العثمانية.

وتقول الدكتورة حنان، أن الطريقة البيرامية، تؤمن بوحدة الوجود، أي: أن الله هو هذا الوجود، والوجود هو الله، تعالى الله عن قولهم علواً كبيرا. 

وبناء على عقيدة وحدة الوجود، يجوز أن تعبد كل شيء وأيّ شيء، لأن الله هو الكلّ والكلّ هو الله، وأن جميع الأديان صحيحة، بلا استثناء، لأن الكل إنما يعبدون الله تعالى!

وبهذا نعلم، أن هذه الطريقة طريقة إلحادية وثنيّة، لا تمتّ للإسلام بصلة، سوى بالدعاوى الباطلة والأماني الكاذبة.

فإذا علمنا أن محمد الفاتح هو أحد معتنقي هذه العقيدة، فكيف بعد هذا يكون مسلماً؟! وإذا لم يكن مسلماً اساساً، فكيف يدّعي المدّعون أنه الرجل الذي بشَّر به النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟!

ومحمد الفاتح هو باني القبة التي يزعم انها بنيت على قبر الصحابي أبي أيوب الأنصاري، حيث ان شيخ محمد الفاتح الدجال المدعو آق شمس الدين، ادعى بعد احتلال محمد الفاتح للقسطنطينية انه يري نورا ينبعث من مكان بالقرب من القسطنطينية، وخمن ان يكون هذا الموضع هو قبر ابي ايوب، ثم تظاهر بالخلوة في ذلك المكان زمانا، ليخرج ذاك الدجال للناس ويقول: التقت روحه مع روحي وهنأني بهذا الفتح وقال: شكر الله سعيكم حتى خلصتموني من ظلمة الكفر. ثم أمر السلطان محمد الفاتح ببناء قبة على ذلك الموقع، فتم بنائها، وبهذا تمت حيلة هذا الدجال في بناء قبة يضلُّ بها الناس ويصدهم عن دين الإسلام.

وهذه الانحرافات تكفي في بيان بطلان الادعاء بأن محمد الفاتح هو المبشَّر به في الحديث النبوي الشريف.

ولكن تاريخ هذا الرجل، فيه المزيد من الوقائع التي تثبت فساد هذا الرجل، أخلاقياً فوق فساده الديني.

فمحمد الفاتح هو واضع قانون يسمى: قانون نامه، وهذا ما صرّح به كاتب القانون نفسه، وهو كاتب السلطان محمد الفاتح، المدعو: محمدَ بن مصطفى المعروف بـ «ليث زاده التوقيعي» حيث قال في مقدمة القانون ما ترجمته: "ولما تولى السلطان محمد الفاتح سرير السلطنة .. وتيسرت فتوحات عظيمة كثيرة في أيام سلطنته خصوصًا فتح دار السلطنة .. قسطنطينية المحمية المرعية، ولم تكن القوانين السابقة في زمان أجداده العظام مضبوطة في دفتر، فتفضل بتكميل نواقصها برأيه المنير بتأثير الولاية، فأنشأها هذا العبد الحقير، بناء على الفرمان الجليل، للزوم تحرير قانون نامه يعمل بها في ديوان الهمايون إلى أبد الآباد، مع اجتناب الاصطلاح والإطناب، حتى تعم فائدتها، نقلًا عن لسان البادشاه –السلطان– الدائر بالوقار كيفما دار .." اهـ

وهذا القانون يحتوي على الكثير من المواد المتعلّقة بانظمة الدولة الخاصة والعامة، ولكن من بنود هذا القانون، بندٌ خطير جدّاً، يقضي هذا البند بإباحة قتل السلطان الجديد لجميع إخوته، حفاظاً على كرسيّ السلطنة، لأنه يخشى أن يقوم أحد الإخوة، بالثورة على أخيهم السلطان، مما يتسبب في زعزة استقرار العرش العثماني، وهذا القانون تم تشريعه من قِبل مفتي السلطنة العثمانية الذي يسمونه: "شيخ الإسلام" وهو شيخ الكفر والضلال؛ لأن هذا المنصب لا يتقلّده إلا كبار الملاحدة المتصوّفة، ومن المعلوم أن المتصوفة طوع أمر السلاطين، حتى لو أمروهم باحلال ما حرم الله لأحلوه!

ولهذا نجد أن محمد الفاتح نفسه، قام بقتل أخٍ له رضيع، لأجل هذا العذر الواهي، فيقول محمد فريد بك في كتابه: "تاريخ الدولة العليَّة العثمانية" ما نصّه: "وَبعد أن أمْر بِنَقْل جثة وَالِده إِلَى مَدِينَة بورصه لدفنها بهَا امْر بقتل اخ لَهُ رَضِيع اسْمه احْمَد" اهـ 

مع العِلم، أن محمد فريد بك من عشّاق الدولة العثمانية، وأحد المعجبين بها والمحبين لها! لذلك لا يمكن أن نقول بان محمد فريد بك نقل خبراً مكذوباً عن محمد الفاتح، ما لم يكن محمد فريد نفسه نقل هذا الخبر من وثائق الدولة العثمانية، وكمحب، هو لا يرى فيما قام به محمد الفاتح ما يستقبح أو يستنكر، فالأعذار كثيرة!

إن قتال الخوارج، وإن أدّى إلى قتلهم، مباحٌ شرعاً، حتى لو كان هذا الخارجيّ أخو السلطان أو ابنه، ولكن لا يكون ذلك مباحاً في الشرع الإسلامي، إلا إذا توفرت أسبابه، وهو وقوع الخروج بالسيف من الثائر على المُثَار عليه، ولنا في سيرة الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه أسوة حسنة.

بل قد قرر أهل الإسلام، أن الخوارج لا يتبعون إذا انهزموا، ولا يُجهز على جريحهم، فكيف بمن لم يخرج، ولم تبدر منه حتى بادرةٌ للخروج؟1 بل كيف بالرضيع الذي لا يعقل شيئاً ولا ذنب له!!

وقد يقع بين الإخوة تنازع على الملك، كما وقع بين بعض بني أميّة وبعض بني العباس، ولكن لم يحكي التاريخ، انهم كانوا يبتدؤون قتل أقاربهم، دون توفّر السبب الداعي لقتلهم، ولا أنهم سنّوا قانوناً يبيح لهم ذلك، كما فعل محمد الفاتح!

وهذا يدل على استهانة هذا الرجل بالدماء، وقطيعته للأرحام، بغير سبب شرعي يوجب ذلك.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد.

فقد عثر على ديوان شعري، منسوبٍ إلى محمد الفاتح، كلّه غلاميات، حيث يُرمى محمد الفاتح، بفتى وسيم يدعى رادو، ورادو هذا هو فتى روميّ، ابنٌ لأحد أمراء الروم، اسرته الجيوش العثمانية في زمن مراد الثاني، فلما تولّى محمد الفاتح السلطنة، ورأى شِدّة حسنه، وله به، وطمِع فيه لشدّة حسنه، وبعد محاولات واستعطافات، رضخ رادو المسكين لمطالب محمد الفاتح القذرة، وسلّم جسده لذلك الطاغية الفاجر، ليمارس معه الرذيلة!

هذا الديوان طبع في تركيا، باسم ديوان عوني، ولم يُشكِّك أحدٌ في نسبته إليه، إلّا من لا يملك الدليل على دعواه في التشكيك في نسبة هذا الديوان، وإنما يريد بذلك تلميع محمد الفاتح.

ويقول أتفيانو بون، سفير إيطاليا في الدولة العثمانية خلال الفترة (1604-1608)، في كتابه الذي صدر منتصف القرن السابع عشر الميلادي “سراي السلطان”، أن علاقة سلاطين العثمانيين مع بعض الغلمان لم تمر مرور الكرام، فالسلطان محمد الفاتح (1444-1481)، ارتبط بعلاقة مع أحد الغلمان واستمرت تلك العلاقة حتى بات الناس يتهامسون بها، لكن لم يستطع أحد منهم قول شيء خشية القتل، رغم ذلك لم يأبه “الفاتح” بأي حديث وظلت علاقته مستمرة".

قد يقول قائلٌ: هذا رجلٌ إيطالي نصراني، فكيف تنقل قوله؟

والجواب على ذلك: أن ما تقولونه قد يكون صواباً، ولكن الذي يؤكد على صحة ما قاله هذا السفير، أن المصادر العثمانية نفسها، أكّدت وجود هذا الشيء في البلاط العثماني، وفي حق محمد الثاني الفاتح نفسه.

“الفاتح” لم يكتف بذلك، فبجانب علاقته مع “رادو الوسيم” كان يختار أجمل الأطفال المخطوفين من أوروبا للعمل في غرفته، ووصل به الأمر إلى الدرجة التي دفعته إلى إجبار غلمانه على ارتداء النقاب بعد أن تملَّكته الغيرة عليهم، ما يدلل على أن مخالفة الفطرة منتشرة داخل القصر العثماني.

وفي الوقت الذي كان العالم كله يُحرم المثلية، وقد نهى عنها الإسلام بنصوص صريحة وواضحة، كان محمد الفاتح هو من أمر بتقنين الفسق بإسقاط عقوبة “اللواط” واعتبارها مباحة مع الغلام الجميل الذي يعتبر دليلاَ على جمال خلق الله!

حسنا، تعالوا لنتعرّف على السبب الذي دفع محمد الفاتح لاحتلال القسطنطينية؟ 

المدلسون والملبسون والملمّعون، يدّعون أن سبب مهاجمة محمد الفاتح للقسطنطينية، هي الجهاد في سبيل الله، ونشر الإسلام.

والحقيقة أن هذا كذب، فعلى طول التاريخ العثماني، سابقاً ولاحقاً، كانت غزواتهم لأجل السيطرة على أكبر قدر من الموارد الاقتصادية، وقد ذكرت ذلك سابقاً في حديثي عن الدولة العثمانية، وذكرت الأدلة على ذلك هناك.

ولكن تعالوا لنرى ماذا يقول مؤرخوا العثمانيين عن سبب مهاجمة محمد الفاتح للقسطنطينية، وهل كان لأجل إعلاء كلمة الله تعالى، أم لأجل أهداف سياسية واقتصادية؟

يقول مؤرخ العثمانيين، وابن جلدتهم، فريد بك، في تاريخه: تاريخ الدولة العليّة العثمانية ما نصّه: "ثمَّ اخذ يستعد لتتميم فتح مَا بَقِي من بِلَاد البلقان ومدينة الْقُسْطَنْطِينِيَّة حَتَّى تكون جَمِيع املاكه مُتَّصِلَة لَا يتخللها عَدو مهاجم اَوْ صديق مُنَافِق" انتهى كلامه.

إذا الهدف من مهامة محمد الفاتح للقسطنطينية، لم يكن إعلاء لكلمة الله تعالى، ولا جهاداً في سبيله، بل الهدف الحقيقي كما صرح مؤرخ العثمانيين، هو حماية ممتلكاته من عدو مهاجم أو صديق منافق!!

فكيف بعد هذا كلِّه، يُظَنّ بمحمد الفاتح هذا، أنه الذي بشَّر به النبي صلى الله عليه وسلّم، وأثنى عليه خيرا؟! رجل وثني وشاذ جنسي وقاتل، ثم يقولون: هو الذي بشَّر به النبي صلى الله عليه وسلم، وأثنى عليه؟!

لا شك أنه بعيدٌ كلَّ البعد عن أن يكون الرجل الذي بشَّر به النبي صلى الله عليه وسلّم، وأثنى عليه وعلى جيشه!

وكيف يثني النبي (ص) على جيش محمد الفاتح، وهم كلّهم مثله، ملاحدة وثنيّون، تنتشر بينهم الرذيلة!!

ونحن لم نعاصر هؤلاء الأشخاص، ولا يمكننا التعرّف عليهم إلا من خلال التاريخ، ولو كان من دوّن هذا التاريخ هم أعداء الدولة العثمانية؟، لقلنا: لعله مكذوب عليه. ولكن من دوّن هذا التاريخ، هم الأتراك أنفسهم، وهم من وثّقه وأقرّ به، فهل يكون هناك شيء أوثق من هذا لكي نتعرف على حقيقة العثمانيين؟!

والجواب: طبعاً، لا.

قد يقول مشاغبٌ من المشاغبين: قد عرف عن بعض خلفاء العرب أنهم مارسوا الفاحشة الكبرى مع الصبيان.

والجواب على ذلك: لم يذكر عن أحد من خلفاء العرب، في الدولتين الأموية والعباسيّة، أنه مارس الفاحشة مع الصبيان، ولم يُرمى بذلك سوى محمد الأمين بن هارون الرشيد، وحتى هذا لم تثبت عليه التهمة، لأن من رماه بذلك هم المعتزلة، وهم أولاً قومٌ أكثرهم أعاجم، والأعاجم تنتشر بينهم هذه العادة القبيحة منذ القدم، ولا تزال، ولكنهم يعلمون قبحها من جهة الشرع، لذلك يرمون بها أعدائهم بغية الطعن فيهم وتشويه سمعتهم، فلما كان محمد الأمين سُنّيّاً مثبتاً للصفات، وكان بذلك عدوّاً لهم، وكان المأمون معتزلياً على ملّتهم، وهم رجاله وأنصاره، أخذوا يرمون الأمين بهذه الفعلة القبيحة، لتشويه سمعته وتنفير الناس عنه، حتى أنهم ألّفوا العديد من القصص ووضعوا بعض الأشعار على لسان الأمين في التغزل بالغلمان، وكل ذلك لا تجده إلا في كتب المعتزلة الأدبية، أو من نقل عنهم بلا روية ولا فكر.

ولو سلّمنا أن الأمين أو غيره فعل ذلك، فهل هذا يعطي العذر لمحمد الفاتح بفعل ذلك؟ وهل فعل الأمين أو غيره لذلك، يمنع من الحكم على محمد الفاتح بالفساد الديني والأخلاقي، ويصبح هذا الفعل غير قادح في دين أو أخلاق محمد الفاتح؟!

سبحان الله، لا أعلم كيف يحكم هؤلاء، وكيف يستجرون الأعذار لمعظّميهم!!

إذاً تبيّن من خلال ما سبق، أن محمد الفاتح، ليس مسلماً ولا صالحاً في دينه أو خلقه، وبهذا يتبيّن بجلاء أنه ليس الرجل الذي بشَّر به النبي محمد (ص)، ولكن الصوفية بحكم أنهم لا يرون في هذه الأعمال القبيحة ما يستنكر، فهم لا يرونها طاعناً في صلاح هذا الرجل، وبالتالي يكون هو الرجل الذي بشَّر به النبي (ص) عندهم، ثم يستخدمونه للتسويق لأديانهم الإلحاديّة الوثنيّة.

المصادر:

تاريخ الدولة العلية العثمانية، تأليف محمد فريد بك (1338ه)

وكتاب سراي السلطان، لأتفيانو بون، ترجمة زيد الرواضية.

وكتاب في أصول التاريخ العثماني، لأحمد عبدالرحيم مصطفى.

وكتاب التصوف وآثاره في تركيا إبان العصر العثماني عرض ونقد، تأليف حنان بنت عطية الله المعبدي.


هذه هي حقيقة الدولة العثمانية

 في هذه المحاضرة بإذن الله تبارك وتعالى، سوف نتحدث عن حقيقة الدولة العثمانية البائدة، وجرائمها التي ارتكبتها في العالمين العربي والإسلامي، لنعرف هل كانت الدولة العثمانية دولة فتح أم دولة استعمار، كغيرها من الدول الاستعمارية.

في هذه المحاضرة، نكشف السِتار عن كثير من الحقائق، التي اجتهد أهل الأهواء والبدع، في اخفائها، ومحاولة تلميع الدولة العثمانية، وإبرازها على أنها كانت دولة إسلامية عظيمة، أقامت الشريعة، ونصرة الدين، وحمة حماه، وذادت عن حياضه، وأنها كانت – كما يزعمون – دولة فتح أعزّ الله بها الإسلام والمسلمين، لغرض التسويق لبعض المذاهب الزائغة والفرق الضالة، ولغرض التسويق للدولة العثمانية والقوميّة التركيّة.

وسوف اقوم بذكر المصادر في أخر هذه المحاضرة بإذن الله تعالى.

فأقول مستعيناً بالله تعالى في كشف حقيقة هذه الدولة.

أن من أسسها هو أرطغرل، ولا يعرف اسم أبيه على وجه الحقيقة، فيقال أن اسم أبيه: سليمان القابوي، ويقال أسمه: كُندُز آلب.

والصحيح أن والده أسمه: كُندُز آلب، والدليل على ذلك، أنه عُثِر على عملة معدنية سُكَّت في زمن السلطان عثمان بن أرطغرل، كتب على وجه العملة «ضرب - عثمان بن - ارطغرل - أيده الله» وعلى ظهرها مكتوب «ضرب - عثمان بن - ارطغرل بن - كـ..دز الپ».

ينتسب ارطغرل إلى قبيلة قابي، إحدى قبائل غون خان، والتي بدورها تعتبر فرعاً من قبيلة الغًزّ الكبيرة. والتي بدورها تعتبر قبيلة من قبائل الترك.

والذي يظهر لي من سياق التاريخ، أن الغالب على الشعوب التركية الداخلة في الإسلام، في وقت مبكِّر، هو المذهب الحنفي في الفروع، وأما في الأصول، فكان بعضهم يعتنق المذهب الماتريدي القائل بنفي وجود الرب عز وجل خارج الأذهان، وبعضهم يعتنق المذهب الوجودي، القائل بوحدة الوجود، وكلا المذهبين، من أضلّ المذاهب، وأبعدها عن الحق، وعن تعاليم الإسلام الأصيلة.

ويصعب تحديد ما هو دين ومذهب أرطغرل، ولكن من المؤكّد أن أرطغرل كان مسلماً، وحاول التثقُّف بالثقافة العربيّة، وهذا واضح من خلال تسميته لابنه بعثمان. ولكن هل ولد ارطغرل مسلماً، أم أسلم في فترة من حياته؟ هذا السؤال لا جواب له.

وأما عن ماهيّة الإسلام الذي اعتنقه، وهل هو الإسلام المحمدي الصحيح، أم إسلام أهل البدع والزيغ والضلال، من المتكلمين والفلاسفة والوثنيين، فيظهر من خلال المعطيات التاريخية، تأثُّر آل ارطغرل بمذهب ابن عربي وابن سبعين وابن الفارض، وهؤلاء على مذهب وحدة الوجود، مع أن هؤلاء جميعاً من معاصريه، إلا أن هؤلاء ليسوا سوى تلاميذ لمدرسة قديمة تدعى الحلاجية، تبنّت مذهب وحدة الوجود قديماً في الإسلام.

ولكن هذه العقيدة لا يؤمن بها إلا الخاصة من المتصوِّفة، أعني بذلك مشايخهم، أما عند عامتهم، فيظهر لي أن معتقدهم هو أن الله تعالى في كل مكان، دون اتحاد الخالق مع المخلوق، تعالى ربنا وتقدس، ولكنهم مع ذلك، يُلقّنون العبودية الشرعيّة لمشايخهم الصوفيّة، بحيث يجعلونهم يعتقدون الألوهية في مشايخهم، وفي سائر معظّميهم، فيصرفون لهم العبادة الشرعيّة من الدعاء وما يلحق به من الاستغاثة والاستعانة والاستعاذة، من دون الله تعالى، فيما لا يقدر عليه إلّا الله عز وجل.

وكمثال على وقوع العثمانيين في الشرك الأكبر، أنقل هنا عبارة للسلطان سليمان القانوني، كتبها في صلح عقده مع ملك فرنسا، يقول فيها ما نصّه:

"بعناية حَضْرَة عزة الله جلت قدرته وعلت كَلمته وبمعجزات سيد زمرة الأنبياء وقدوة فرقة الأصفياء مُحَمَّد الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكَثِيرَة البركات وبمؤازرة قدس أرواح حماية الأربعة أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أجمعين وَجَمِيع أولياء الله .. " إلى أخر ما هذى وغثا.

فهنا نجد سليمان القانوني، يظهر الشرك الأكبر بلا محاباة، فهو لم تكفه عناية الله تعالى، حتى ضمّ إليها عناية النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين الأربعة بل وجميع من اسماهم أولياء الله! 

في حين أن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن دونه لا يملكون له نفعاً ولا ضراً، بل لا يملكونه لأنفسهم، فكيف يملكونها له، وفي هذا الموطن لن تحفظه إلا عناية الله وحده.

وإذا عرفنا أن هذا دين الحلّاجية منذ كانوا، دلّنا هذا على أن هذه العقيدة ليست عقيدة سليمان القانوني وحده، بل هي عقيدة أسلافه، منذ زمن أرطغرل نفسه.

وبالتالي نعلم أن الدولة العثمانية، في الحقيقة لم تكن دولة إسلامية، ولا تمّت للإسلام إلا بالادعاء فقط. وأنها دولة وثنيّة بوشاح إسلامي لا أكثر، فكيف تكون دولة هذا حالها دولة إسلامية، أقامت الشريعة، ونصرة الدين، وحمة حماه، وذادت عن حياضه، وأنها كانت – كما يزعمون – دولة فتح أعزّ الله بها الإسلام والمسلمين؟ فقد قيل في الأمثال: فاقد الشيء لا يعطيه.

وقد جمعت الدكتورة حنان بنت عطية الله المَعْبَدي، في دراستها عن التصوف وآثاره في تركيا إبان العصر العثماني، عقائد سلاطين العثمانيين، فذكرت أن جميع سلاطين بني عثمان كانوا ينتمون إلى طرق صوفية وثنية إلحادية، تؤمن بوحدة الوجود.

ولكن لأن الدكتورة حنان تربت في حواضن الإرجاء، فقد كانت مع علمها بعقائد القوم الوثنيّة، تترحّم على فطائسهم، معتبرة إيّاهم مسلمين، ينبغي الترحم عليهم!

وهذا يدلّ على عدم وجود صِلَة بين الإسلام وبين جميع سلاطين بني عثمان، إلا بالادعاءات الفارغة، والأماني الكاذبة.

ويظهر أن ارطغرل هذا كان على علاقة وطيدة مع السلاجقة، ويظهر أنه كان أحد قوّادهم، ولكن بحكم أن أرطغرل تركي الأصل، ومنطقة الأناضول كان أرضاً روميّة، فإذا علمنا أن أرطغرل ولد في مدينة سوغوت الواقعة في الشمال الشرقي من شبه جزيرة الأناضول، علمنا أن قبيلة أرطغرل، كانت قد حلّت في هذه المنطقة قبل ميلاد أرطغرل، تقول الروايات الشعبيّة القابيّة، أنهم انتقلوا إلى أرض سوغوت قادمين من آسيا الوسطى، هرباً من الغزو المغوليـ الذي اجتحف آسيا.

وهناك أسطورة شعبيّة، يحكيها قصّاص العثمانيين، عن أوّل لقاء وقع بين أرطغرل وبين ملك السلاجقة، ذكرها فريد بك في كتابه تاريخ الدولة العليّة العثمانية، ولكن يظهر أنها من وضع قصّاصهم، وأن أرطغرل، هو من قدّم نفسه وقبيلته كخدّام في بلاط ملك السلاجقة، بُغية الحصول على الأمن من طرف السلاجقة، ولينال بذلك منافع ماديّة ومكاسب سياسية لم يكن ليحصل عليها لولا تحالفه مع السلاجقة، وانخراطه في خدمتهم، خصوصاً وأن السلاجقة إخوة له في النسب، حيث أن السلاجقة ينتمون إلى قبيلة قنق، إحدى كبريات قبائل الغزّ، التي ينتمي إليها أرطغرل.

ثم ورث الحكم عن ارطغرل ابنه عثمان الذي تُنسب إليه قيام الدولة العثمانية، مما يدل على أن والده ارطغرل لم يكن سوى أمير من أمراء السلاجقة، وقائد من قوادهم، ولكن بعد ضعف دولة السلاجقة، بدأ العثمانيون بتوسعة نفوذهم على حساب السلاجقة، في منطقة الأناضول، حتى استحوذوا على شبه جزيرة الأناضول، ثم بدأ العثمانيون الدخول إلى أوروبا الشرقية، حيث استولوا على أغلب بلاد البلقان، وباتت القسطنطينية محاصرة بالمقاطعات العثمانية الأوروبيّة.

ثم شرعوا في التوسّع جنوباً في البلاد العربيّة، على حساب الدولة المملوكيّة، التي كانت تخضع لها أكثر البلاد العربيّة، فجرت بين العثمانيين والمماليك وقائع منيت فيها المماليك بهزائم مروّعة، فاستحل العثمانيون الشام ثم مصر. ثم استحلوا بعد ذلك ليبيا وتونس والجزائر.

ارتكب العثمانيون منذ احتلالهم لتلك الديار، أفضع الجرائم، التي قد يرتكبها مجرم، فمنذ أن احتلوا البلاد العربيّة، عانا العرب فيها أنواعاً من الذلَ والعسف ونهب الأموال وانتهاك الأعراض.

يذكر المؤرخون في القرن العاشر والحادي عشر والثاني عشر، الهجريّة، أن العثمانيين أتراكاً وروميين، لم يكونوا يؤدون الصلوات، ولا يحضرون جمعة ولا جماعات، وكانوا يشربون الخمور والحشيش والبوزة، ويقارفون الزنا، بل والفاحشة الكبرى، وهو إتيان الذكران.

لما احتلوا دمشق، كان أول عمل قاموا به، هو نهب المدينة، واقتحام المنازل، ونهب ما فيها من أشياء ذات ثمن، وقاموا باغتصاب النساء والمًردان، وقاموا بفعل هذه الأفعال القبيحة في مصر لما احتلوها أيضاً. ولم يكونوا يترفّعون عن خسيسة يريدون القيام بها!

ويذكر المؤرخون: أن الجنود العثمانيين فتحو حانات لبيع الخمر والحشيش والبوزة، كما فتحو أوكاراً للدعارة، والقِوادة على النساء والصبيان المُردان، وهؤلاء النساء والصبيان تمّ خطفهم من المدن، ليعملوا قسراً في الرذيلة.

كان من جرأتهم، أن ولاتهم وقوادهم، إذا سمعوا بامرأة حسناء، بعثوا خدّامهم ليحضروها لهم، حتى لو كانت ذات زوج، ليقوموا باغتصابها.

بل بلغ من جرأتهم، أنه في القرن العاشر، قام الوالي العثماني لمدينة دمشق ببعث مندوبه لأخذ الضرائب من أهل جبل الدروز، فلما دخل ذاك المندوب العثماني رأى في أبناء الدروز غلاماً أمرداً وسيماً، فطمع ذاك القذر في فعل الفاحشة به، وأراده عن نفسه، فاستغاث الصبي بأهله، فأرادوا تخليص الصبي منه، فمن قوّة إدلال هذا العثماني، واعتداده بقوته وقوة أصحابه، ولعلمه أن الناس تخشاهم، وتخاف صولة الجنود العثمانيين عليهم، إن ألحقوا به سوءاً، طمع أنهم لن يستطيعوا أن يقتلوه أو يضربوه، لو أراد أن يأخذ الغلام غصباً عنهم، فأراد أن يأخذه منهم بالقوّة، وفعل الفاحشة به رغماً عنه وعنهم، فغضب أهل الصبي، فحملوا على ذاك اللعين فقتلوه، فلما بلغ الوالي العثماني ما فعله أهل جبل الدروز، أقام جيشاً كبيراً، وأغار عليهم، وقتل رجالهم، وسبى نسائهم وذراريهم، ونهب بلادهم وأحرقها!

ونفس الحادثة تكررت بعد قرابة مائة عام ولكن في ليبيا، حيث قام جنديّ عثماني باغتصاب فتىً ليبي، ابن تاجر من أهل طرابلس، فأخذ الأب المكلوم يصرخ ويستغيث بالناس ليخلّصوا ابنه من بين يدي هذا الفاجر اللعين، ولكن صراخ الرجل واستغاثته لم تمنع الجندي العثماني من الاستمرار في فعلته، 

ومن العجيب، وكلّ تاريخهم عجائب، أن الوالي العثماني لمدينة طرابلس الغرب، قبض على التاجر المسكين، وقام بضربه بالسياط حتى مات، عقاباً له على صراخه واستغاثته، وتهييجه للناس! 

يريد منه ان يترك الجندي يفعل الفاحشة بابنه وهو يرى ويسكت على ذلك، ولا يحرك ساكناً، لأن هذا الوالي أصلاً لا يرى في هذا الفعل بأساً، وقد يكون هذا الوالي وهذا الجندي ممن يُفْعَل بهم الفاحشة في صغرهم، فقد عُرِف بين العثمانيين، أنه لا يرتقي في المناصب إلا ملوطٌ به!

والأتراك لا يتحاشون من فعل اللواط، بل هم من أثّر في الروم في منطقة الأناضول، وجعلهم يقارفون هذه الجريمة، ويستسيغونها!

لأن اللواط كان شائعاً في قبائل الترك في أسيا الوسطى والشرقيّة، منذ القِدَم، وأقدم من ذكر هذه العادة القبيحة عند التُرك، هو السيرافي الرحّالة، الذي رحل إلى بلاد الهند واندونيسية والصين واليابان، في سنة 227 للهجرة، حيث ذكر أن اللواط كان معروفاً في بلاد الصين، وكانت له أوكار تخصّها، والصينيون كما نعلم، قبائل من الترك. وهذا يعني قِدم هذه العادة الخبيثة عند هذه الشعوب، يتوارثونها جيلاً بعد جيل، حتى أنهم نقلوها إلى من جاورهم من الشعوب.

وهذه الفعلة القبيحة مشهورة حتى بين سلاطين الدولة العثمانية، وممن اشتهر عنه مقارفة هذا الفعل بايزيد الأول، ومراد الثاني ومحمد الثاني الفاتح وسليمان القانوني وسليم الثاني ومراد الرابع، كما قام عبدالمجيد الأول بإلغاء تجريم الشذوذ الجنسي في سنة 1858م، وبالتالي إلغاء العقوبات المترتبة عليه، والتي يذكر المؤرخون أنها كانت مجرد حبر على ورق.

كان للعثمانيين، عادة سنويّة، يقوم ولاتهم فيها في مستعمراتهم بندب الجُباة إلى المدن والقرى لجمع الضرائب، يصحبهم طائفة من الجند، يقول المؤرخون: فلا يمرّون بقرية، إلا نهبوها، حتى يذكر المؤرخون، أن الأغنياء افتقروا، والفقراء أملقوا، ثم يهجمون على المنازل، ويقومون باغتصاب النساء والمُردان. حتى إذا فرغوا، خرجوا إلى القرية الأخرى وفعلوا بها مثل ما فعلوا بالأولى، وهكذا حتى يطوفوا على جميع القُرى.

حتى أن العرب كانوا يستغيثون من الترك، بل صاروا يهربون إلى المحتل النصراني خوفاً من الأتراك وبطشهم وظلمهم وجورهم وعدوانهم.

من ذلك أنه لما احتل البرتغاليون شواطئ الخليج العربي في القرن العاشر الهجري، كان العرب يستغيثون بالأتراك ليأتوا ويخلصونهم من البرتغاليين في الساحل الشرقي لجزيرة العرب، فلما قدم الأتراك إلى الأحساء والقطيف، وبدأوا يمارسون ما اعتادوه من نهب الأموال واغتصاب النساء والمردان، صار العرب يهربون من الأتراك إلى البرتغاليين، فكان البرتغاليون للعرب خيرٌ من العثمانيين الأنجاس!!

وفي حادثة مشابهة، وقعت في القرن الثاني عشر الهجري والثالث عشر الهجري، كان أهل مصر - بعد أن عانوا ما عانوه من الاضطهاد والظلم والجور والعدوان على أيدي العثمانيين - يستغيثون ويقولون: يا ليت الفرنجة يأتون ويخلصوننا من العثمانيين، وذلك لشدّة ما عانوه من العثمانيين!

كان العثمانيون يرفضون وبشدّة أن يقيم العرب أو غيرهم، ممن يسكنون تحت مستعمراتهم، جيشاً قوياً نظامياً قادراً على حماية البلاد من أي غزوٍ خارجي، خشية أن يستخدمه أهل البلاد في طرد العثمانيين منها، فالعثمانيون كانوا يعلمون أن أفعالهم القبيحة، قد تؤدي بالناس إلى القيام بثورة لو تمكنوا من ذلك، لذلك سعو إلى عدم توفِّر مثل هذه الفُرّص. واكتفوا بوضع حاميات عسكرية قوامها ما بين 500 جندي إلى 1500 جندي، في قلاع حصينة يبنونها لهم، وظيفة هذه الحاميات، إحكام القبض على المستعمرة التي يستعمرونها، وفرض أوامرهم عليها بالقوة، والوقوف في وجه أي ثورة شعبيّة مناهضة لهم لو حدثت، حتى تأتي الأمداد من سلطان العثمانيين.

ولذلك عندما قدم المحتلون الفرنسيون والإيطاليون والانجليز، لم يجدوا أمامهم سوى حاميات تركية ضعيفة، قاموا بدحرها وطردها من شمال أفريقيا والاستيلاء على تلك المستعمرات.

لم يقم العثمانيون بأي أعمال إصلاحية للمستعمرات التي كانوا يستعمرونها، فلم يكن العثمانيون يهتمون بالحرمين الشريفين، ولم يقوموا بأي إصلاحات لها، ولم يقوموا بإنشاء المدارس، إلا القليل منها في الشام، وبعض الجرايات على مساجد الضرار والأضرحة الوثنية، ولم يقوموا بتوطين البدو وتعليمهم، وقد كانوا على مدى الدولة العثمانية يغزو بعضهم بعضا وينهب بعضهم بعضا ويقتل بعضهم بعضا، بل تركوا الناس في البلاد العربية والإسلامية عرضة للفوضى وأسرى للجهل والجوع والخوف. 

لقد كان عصر العثمانيين من أشد العصور الظُلاميّة التي حلّت بالعالم الإسلامي.

ولم تكن هذه الأفعال القبيحة حبيسة فترة زمنيّة معيّنة من تاريخ العثمانيين، بل كان هذا دأبهم على مدى تاريخهم، فما من مؤرخ يؤرخ لفترة حكمهم في البلاد العربية والإسلامية في زمنٍ من الأزمان، حتى يذكر منهم ما يشيب لهوله الطفل الرضيع.

بعد هذا كله، يأتي من يقول، بأن الدولة العثمانية كانت دولة إسلامية، وأنها حمت حِمى الإسلام، وذادت عن حياضه، ونصرت المسلمين!

لا شك أن قائل ذلك لا يخلوا من أمرين: إما أن يكون مستعرب ذو أصول تركيّة، أو روميّة، فهو يجتهد في تلميع أسلافه، والتستّر على فضائحهم، والرفع من خسيستهم. أو أنه زنديق صوفي يريد أن يلمعهم لاتفاق المذاهب، أو جاهل، يردد ما يقال له دون علمٍ أو بصيرة.

حسناً، هل الدولة العثمانية دولة فتح إسلامي، أم دول احتلال واستعمار؟

جواب هذا السؤال ينبني على معرفتنا بما هو الفتح وما هو الاحتلال والاستعمار.

الفتح الإسلامي، يأتي بالرحمة، ولا يفرض الضرائب قليلةً كانت أو كثيرةً، على المسلمين، وإنما يأخذ منهم ضرائب تعرف بالزكاة، تؤخذ من أموالهم أو محاصيلهم، وفق أنصبة معلومة ونِسَبٍ معلومة، وأمّا الكُفَّار، فيأخذ منهم ضرائب، تعرف بالجزيَة، على كل فرد ما مقداره دينارين، والعُشر من كسب تجارهم ومزارعيهم. والزكاة والجزية لا تؤخذ إلا مرَّة كلَّ عام.ويُعغفَى الفقراء سواء كانوا مسلمين أو كُفَّار، بل يُعطون وتُنفِق عليهم الدولة الإسلامية من المال العام، لسدّ احتياجاتهم.

ويُراعي الفتح الإسلامي تربية الشعوب أخلاقيّاً، فهو يردع المجرمين، ويمنع الظُلم، ويحافظ على الأمن، ويحرص على تعليم المجتمع وترقيته ذهنيّاً.

ومثال ذلك الفتح الإسلامي في زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والفتح الإسلامي في زمن الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان، وكذلك الفتوحات العِظام في زمن الدولة السنيَّة السلفية الأمويَّة، وكذلك في زمن دولة المرابطين في المغرب الأقصى، وكذلك الدولة السعوديَّة الوهابيَّة، التي قامت في جزيرة العرب، هذه الدول هي مثال واضح للفتح الإسلامي بكل ما تعنيه الكلمة.

وأما الاحتلال، فيأتي بالعذاب، ويتم فرض ضرائب على أهل البَلَد المُحتلّ، هذه الضرائب لا تُراعي نصاباً معيّناً ولا نِسْبَةً مُعيَّنة، ولا تُميِّز بين غنيٍّ ولا فقير، ولا يُواسى الفقير بشي ءمن المال العام، بل يُترَك يواجه الصعوبات بنفسه. 

ولا يراعي الاحتلال تربية الشعوب أخلاقيّاً، بل يجتهد في جعلهم أسْرى للجهل والجوع والخوف، ليسهل عليه السيطرة عليهم.

ومثال ذلك: الدولة البويهية والسلجوقية والزنكيَّة والفاطميَّة والحشاشيَّة والأيوبية والتومرتيَّة والمملوكية والعثمانية، مع أن هذه الدول بعضها أشرُّ من بعض، وكلّها شرّ.

 إضافة إلى الاحتلال الصليبي واليهودي.

ولا تزال الدول التي تقبع تحت الاحتلال الشيعي أو الصوفي تعاني من الظُلم والجور والعسف والإهانة إلى يومنا هذا، كما نرى في إيران مثلاً.

وأنت إذا نظرت إلى تاريخ الدولة العثمانية خصوصاً وتلك الدول عموماً، من مصادره الأصيلة، وليست من الكتب المحدثة التي قام بتأليفها أصحاب المآرب الخاصّة، والتوجهات الفكريّة، لعلمت ذلك حق العِلم.

ولا يفوتُني أن أذكر هنا ما ذكره المؤرخون في القرتن العاشر الهجرين من أن أمير عدن أبْيَن، باليمن، بعث برسالة يستغيث فيها بالعثمانيين، لينصروه ضدّ البرتغاليين، الذين احتلوا سواحل الهند وعمان والخليج العربي، فبعثت الدولة العثمانية اسطولاً لأجل هذه المهمة، فلما قرب الأسطول من عدن ورأى أهلها الرايات العثمانية، تركوا ابواب المدينة مفتوحة، لأنه لا حاجة إلى إغلاقها، فهم يتصوّرون أن هؤلاء العثمانيين إخوانهم في الدين، وجاءوا لينصروهم ضد البرتغاليين الغازين المحتلّين، فلما رأى قائد الأسطول أبواب المدينة مُشرَعَة، أثار فيه هذا المنظر غريزته الإجرامية المتعطشة للسلب والنهب والاغتصاب، فأعطى الأوامر للجنود بالغارة على المدينة، فشن أولئك الخنازير والقِردة الغارة عليها، واقتحموها، وبدأو في قتل الرجال وسلب الأموال واغتصاب النساء والولدان، واقتيد أمير المدينة ووزراءه ومستشاريه، الذين لا شكّ أنه هالهم ما رأوه، إلى ذلك القِرد، والذي شتمهم وأهانهم وأذلّهم ثم أمر بقطع أعناقهم!

تخيّلوا أيه الإخوة، لا شك ان أهل عدن فرحوا بقدوم العثمانيين لما رأوا راياتهم تخفق على تلك السفن، وقالوا هؤلاء إخواننا العثمانيون، جاءوا لينصروننا ضد البرتغاليين النصارى، ولذلك لم يروا أن هناك حاجة لإغلاق ابواب المدينة، وعمّن يغلقونها؟! أيغلقونها في وجه من ظنوا أنه قادم لنصرتهم وحمايتهم؟! ليكتشفوا ان من ظنوه قادم لنصرتهم وحمايتهم، كان قادمٌ لإذلالهم وإهانتهم وقتلهم ونهب أموالهم واغتصاب نسائهم وولدانهم! لو احتلهم البرتغاليون لما فعلوا عُشر معشار ما فعلوه العثمانيون الأنجاس!

ولذلك لا نستغرب عندما نقرأ في التاريخ، أن العرب صاروا يلجؤون إلى البرتغاليين بعد أن راوا ما يصنعه بهم العثمانيون، مع أن العرب هم من دعوا العثمانيين أول مرّة ليعينوهم على طرد البرتغاليين! 

فالذين يثنون على هذه الدول المحتلَّة، وبعضهم من المنتسبين زوراً للمدرسة السلفيَّة، يعلمون فسادها دينياً، ولكنهم يسعون إلى تلميعها والثناء عليها، ومحاولة تصويرها بأجمل الصور، لأن بعضهم يعلم أن الناس تريد ذلك، وهو يريد لكتابه أن ينتشر، ويشتريه الناس، مما يعود عليه بالكسب المادّي الوفير، وبعضهم، على عقيدة المتكلمين والصوفية والرافضة، فيقوم بتلميعها لأجل أنهم على مذهبه، ويجتهد في سِتر مساوئهم، 

فهذه هي حقيقة الدولة العثمانية كما هي، لا كما يدّعي الكذبة الفجرة، من المحتالين، الذين يغشون المسلمين ويخادعونهم.

حتى أني مرة وجدت أحدهم قام برسم لوحة، فيها رجال عثمانيون، في سِجنٍ يغطيه الثلج، وهم يقومون بثقب الثلج وكأن تحت الثلج ماء، ويقومون بالوضوء للصلاة، وكتب يعلّق على هذه الصورة ويقول: جنود عثمانيون أسرى في الحرب الروسية عام كذا وكذا، وهم يثقبون الثلج ليتوضؤا لأداء الصلاة! بمعنى أنه يوهم الناس أن هذا هو حال الجنود العثمانيون، وأنهم أناس أهل دين وتقوى وصلاح، وهذا خلاف ما ذكره المؤرخون القدماء عن العثمانيين، من أنهم ما كانوا يصلّون ولا يصومون، وكانوا يشربون الخمر والحشيش والبوزة، وكانوا زناة ولوطيين، فهذا ماغ يسمى صناعة الوهم.

وقد ورد الوعيد الشديد في أمثال هؤلاء الكذابين في الأحاديث الصحاح، مثل حديث الرجل الذي يكذب الكذبة تبلغ الآفاق، يشرشر شِدقه إلى يوم القيامةى، لأن هذا النوع من الكذب، لا يمكن ألأن يدخل في أي قسم من أقسام الكَذِب المباح، بل هو غِشُّ وخداع للمسلمين، لتمرير أيدلوجيات معيّنة، او للحصول على مكاسب ماديّة.

ومن أراد المصدر، فعليه بمطالعة الكتب التالية:

رحلة السيرافي إلى الهند والصين واليابان وأندونيسية سنة 227هـ - 851م. لسليمان السيرافي.

وتاريخ بدائع الزهور في وقائع الدهور تأليف محمد بن إياس المصري (ت 930هـ)

وتاريخ حوادث الزمان ووفيات الشيوخ والأقران، تأليف أحمد بن الحمصي (ت 934هـ)

وتاريخ مفاكهة الخلان في حوادث الزمان، تأليف محمد بن طولون (ت 953هـ)

وتاريخ التذكار فيمن ملك طرابلس وما كان بها من الأخبار، تأليف محمد بن غلبون الليبي (ت 1150هـ)

وتاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار، تأليف عبدالرحمن الجبرتي (ت 1240هـ)

وتاريخ الدولة العلية العثمانية، تأليف محمد فريد بك (1338ه)

وكتاب القسطنطينية المدينة التي أشتهاها العالم، لفيليب ما نسيل، ترجمة مصطفى قاسم.

وكتاب سراي السلطان، لأتفيانو بون، ترجمة زيد الرواضية.

وكتاب في أصول التاريخ العثماني، لأحمد عبدالرحيم مصطفى.